تقي الدين تاجي

 بكلمات رقيقة ومؤثرة، رثى الصحافي والكاتب محمد نجيب كومينة اليساريَ الراحل عبدالله زعزاع، المعتقل السياسي السابق، الذي ارتبط اسمه بمحاكمة 1977 الشهيرة وحكم عليه بالمؤبد، وقضى 14 سنة خلف القضبان.

وعنون كومينة مرثيته بـ”زعزاع المناضل النموذج”، معددا خصال الراحل وضاربا به المثل في تشبّث الإنسان بمواقفه ومبادئه الى آخر رمق من حياته، واصفا إياه بـ”نموذج المناضل الميداني الذي يعمل من أجل تحقيق نتائج وليس مناضل المقاهي والمطاعم وندوات فنادق الخمسة والاربعة نجوم التي تتكرر فيها الوجوه نفسها والخطابات نفسها وتزيد عزلة وغربة اليسار، وهو نموذج ايضا للعمل المدني الذي يكرّس التطوع والتضحية ولا يتغيى الحصول على المنافع الصغيرة”.

وأضاف كومينة معددا مناقب الراحل أن “عبد الله زعزاع، الذي يعتبر أحد قادة منظمة” إلى الأمام” والوجه العمالي البارز في اليسار السبعيني”، بقي متشبثا بكثير من مواقفه التي كان يعبر عنها بلا لفّ أو دوران، لكنه راجع الكثير منها، ما جعله يحقق اشياء لم يحققها غيره من الذين ظلوا يعتقدون أن الشعب سيتبعهم متى ألقوا خطابا أو دبّجوا مقالة أو تدخلوا في ندوة، إذ اتجه إلى العمل الميداني مع الناس، بداية بسكان الحي، وتمكن من خلق عدد مهم من جمعيات السكان في أحياء الدار البيضاء والمحمدية ومن تشبيك هذه الجمعيات. أعطى بذلك نموذجا للعمل الجمعوي المدني التطوعي الذي لا يتوخى الظهور ولا العنترية ولا الحصول على التمويلات الأوروبية وغيرها ولا اأسفار والانتقال من طائرة إلى أخرى او الحصول على التعويضات…

وقد أبقاه هذا العمل الجماعي والشعبي وفيا للفكر الماركسي الذي تبناه مند شبابه وجنّبه الانجراف وراء الموضات التي جاءت مع النيوليبرالية وحرفت نظرة الكثير من اليساريين عن الارتباط الوثيق بين الحقوق المدنية والسياسية، كحقوق فردية تستند إلى منطق ليبرالي، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية غير القابلة للاختزال.

وقدم كومينة في نعيه شهادة خاصة عن التجربة الانتخابية التي خاضها الراحل زعزاع، معتبرا أن ذلك كان “بناء على تعاقده مع السكان، وليس بناء على رغبة سابحة في الأعالي، تقدم عبدالله زعزاع للانتخابات الجماعية وفاز وخاض صحبة أصدقائه تجربة مشرفة جدا، رغم ما قيل وقال رفاقه القدامى الذين زايدوا عليه بجذرية لا تقوم على أساس في هذه وفي ترشيح شبكة جمعيات الأحياء لجائزة كان صديقه وداعمه التازي من شجعه عليه. كما لم يفت عبدالله زعزاع أن يعمل على ضمان حضور إعلامي من خلال إطلاق جريدتي “المواطن” ثم “المواطنة”.

ومن المعروف أن اعتقال نوبير الأموي جاء بعد حوار مع جريدة “المواطن” هاجم فيه “المانغانتيس” (كلمة إسبانية مرادفة لكلمة اقطاطعية في الدارجة المغربية).

وأضاف كومينة في رثائه أن “زعزاع جرب التطرف، الذي طبع تجربة اليسار الماركسي اللنيني في سبعينات القرن الماضي وجعل القمع ينال بسهولة منه، وكان له ايضا أثر كبير على ما آل اليه الصف التقدمي بالمغرب خلال العقود التالية وإلى اليوم”.

وبعبارة “عليك الرحمة أيا الشهم” ختم الكاتب والحافي كويمنة نعيه ورثاءه في حق المناضل الراحل عبدالله زعزاع، الذي وافته المنية صباح أمس، إثر تدهور حالته الصحّية بسبب المرض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *