الدار البيضاء – ج.ت

على غرار باقي المغاربة في جميع أرجاء المملكة، يحرص البيضاويون على الاحتفاء بالعشر الأواخر من شهر رمضان الكريم، وخاصة ليلة السابعة والعشرين، بشكل يليق بأعظم شهور السنة عند المسلمين، مظهرين كل تعبيرات البهجة والفرح بهذه المناسبة الدينية المقدسة عند الجميع.

ونظرا لأهمية هذه الليلة الروحية، اعتاد المغاربة على الاحتفال بها وفق عادات ومظاهر احتفالية مميزة، فهي آخر احتفال ديني قبل حلول عيد الفطر، والذي خصه المغاربة بطقوس تجعله متفردا عن غيره من المناسبات الدينية.

لا تختلف الدار البيضاء كثيرا عن باقي مدن المملكة، لاسيما إبان الاستعدادات لاستقبال شهر الصيام، والتي تجعل كل الأسواق متشابهة بل ومتطابقة في غالبيتها، فيبقى التميز متعلقا بالطقوس والعادات التي دأبت كل منطقة على ممارستها خلال هذا الشهر الفضيل.

وبهذا الخصوص، أوضح الجيلالي الطويل، الباحث في الثقافة الشعبية المغربية، أن الأزمة الصحية حالت في السنتين الأخيرتين دون تمكن المغاربة، وككل مسلمي العالم، من ممارسة الطقوس الروحية والاحتفال باستقبال الشهر الكريم كما اعتادت في السابق.

وكشف الطويل، في تصريح لوكالة “لاماب”، أن تقاليد وعادات البيضاويين في العشر الأواخر لا تختلف، في العادة، عن نظيرتها في سائر المناطق المغربية، وتبقى الاختلافات طفيفة، حيث يجتهد المغاربة من الناحية الدينية في جعلها ليال مخصصة للعبادة والذكر وقراءة القرآن وقيام الليل والتهجد.

عادات إختفت

أما من الناحية الاجتماعية أو الشعبية، يضيف هذا الباحث، فقد كانت النسوة ينغمسن في تحضيرات عيد الفطر واقتناء كل ما يلزم لصنع الحلويات وبعض المأكولات الخاصة بهذه المناسبة، فضلا عن كسوة الأطفال ليظهروا في أبهى حلة، استعدادا للاحتفال بعيد الفطر في أجواء عائلية.

وأبرز، في هذا السياق، أن هناك تغيرا في عادات وتقاليد البيضاويين بين الأمس واليوم، مسجلا أنه “تغير ثقافي، لأنه كما يقال في السوسيولوجيا “الثقافة رحالة”، وكما هو معروف فإن الدار البيضاء هي المغرب بشكل مصغر، لأنها تضم أناسا من كل المدن ولا تقتصر على البيضاويين الأصليين فقط، مما يساهم في إغناء رصيدها الثقافي”.

وأوضح الطويل أنه مع تطور العصر والتكنولوجيا أصبحت هناك ممارسات دخيلة على هذه العادات والتقاليد، أو تم تطويرها.

وتابع أن نساء الحي، كن قديما يجتمعن في ما بينهن على وجبة الإفطار أو بعدها، ورجالهم يتسامرون في ما بينهم أيضا بعد صلاة التراويح. أما اليوم، فقد أصبح المواطن يتصارع مع قوته اليومي ولم يعد يهتم كثيرا لكل العادات والتقاليد التي كانت قديما.

وأكد الباحث أنه “لا يمكن أن نقول إن هناك تراجعا بقدر ما أن لكل ظرفية خصوصيتها. وهناك بالمقابل من مايزالون يتشبثون بإحياء الطقوس والعادات التي ورثوها عن أجدادهم، ويحرصون على حقنها لأبنائهم حتى تتوارث من جيل إلى جيل، حيث يتم التعامل معها كمصل يعطي مناعة هوياتية للناس لكي يحافظ الشخص على هويته وعاداته وتقاليده التي ورثها أبا عن جد”.

وأضاف “أعتقد أن جيل اليوم لم يعد يكترث كثيرا للعادات والتقاليد التي دأب عليها الآباء والأمهات والأجداد، بحكم التطور التكنولوجي ومواقع التواصل الاجتماعي والوسائط الاجتماعية، والتي خلقت في عقول الشباب تفكيرا آخر وأصبحت لهم اهتمامات أخرى”.

ليلة القدر

ويولي البيضاويون، كباقي المغاربة في كل أرجاء المملكة، اهتماما خاصا لليلة القدر، باعتبارها الليلة التي أنزل فيها القرآن من الناحية الدينية، ولها مكانة خاصة في العبادات وأجر مرتفع، لهذا يحرص الناس على الاحتفال بها، حيث تقبل الأسر على شراء أنواع جيدة من البخور لتطييب البيوت والمساجد استعدادا وترحيبا، كما يعتقد، بنزول الملائكة، وأيضا الحج إلى المساجد بعد صلاة المغرب من أجل تأدية صلاة العشاء والتراويح والصلاة طوال الليل، إحياء لها في روحانية وسلام حتى مطلع الفجر.

وهذه الطقوس تتعلق بليلة السابع والعشرين، حسب هذا الباحث، أما ليلة القدر فهي ليلة من ليالي العشر الأواخر والليالي الوترية، مشيرا إلى أن العادة الشعبية المتعارف عليها في ليلة السابع والعشرين هي تحضير وجبة “الكسكس” وتوزيعها على المساجد لإطعام المصلين الذي لا يعودون إلى بيوتهم إلا بعد صلاة الفجر.

ثم يجتمع الجميع حول طاولة واحدة، ويتم تبادل الأطعمة والزيارات بين العائلات، فهي عادة تحيى بفضلها صلة الرحم، وتستغل لقضاء سهرات عائلية تدوم إلى ما بعد وقت السحور، خاصة عند التئام الأسر الصغيرة في بيت الجد والجدة، وهي العادة التي لا تختلف فيها أي منطقة مغربية عن الأخرى، من أقصى شمال المملكة إلى أقصى جنوبها.

ومن العادات والطقوس التي وجدت لها مكانا وترسخت في التقاليد البيضاوية، احتفاء الأسر والعائلات بالأطفال الذين صاموا أول أيام رمضان، وليلة السابع والعشرين، إذ يتم تحضير فطور خاص بهم، يتشكل من كل ما لذ وطاب من الأطباق الرمضانية المغربية، علاوة على تجهيز صينية خاصة تضم الحليب والتمر والفواكه الجافة ليستهل بها الطفل الصائم فطوره، فضلا عن تزيين أيدي الفتيات الصغيرات بالحناء، واللائي يرتدين ملابس تقليدية في الغالب ما تكون بيضاء ترمز إلى الطهارة والنقاء والصفاء الروحي.

صوم الأطفال

“في المتخيل الشعبي لا يتم تعليم الطفل الصغير الصيام بالفرض أو الترهيب، وإنما بالترغيب واستخدام ما يعرف بحيلة “الخياطة”، حيث يجري مثلا جمع أو “خياطة” 4 ساعات مع 4 ساعات أو نصف يوم مع نصف آخر، وهكذا حتى يكتمل له اليوم ليتم الاحتفال بهذا الإنجاز ويتم إلباسه الأبيض أو لباس تقليدي مغربي من أجل تهييئه للصيام عند البلوغ، ويكون متعودا عليه، كما يتم تزيين الإناث وإركابهن الهودج الخاص بالعروس، بينما يحتفى بالذكور على ظهر خيول سرجت وزينت” يوضح المتحدث ذاته.

أما النساء، فهن كذلك يرتدين في هذه الليلة المباركة لباسا أبيض ويتزين من أجل الاحتفال مع الأحباب في جو عائلي، أو يجتمعن في الحي من أجل شرب الشاي المرفوق بالفواكه الجافة أو كما يلقبها البيضاويون “الفاكية”، ويستمر الاحتفال حتى يطلع الصبح مما يعطي حمولة رمزية لمكانة هذه الليلة في المتخيل الشعبي المغربي.

وهناك، يردف الطويل، من يربط “ليلة القدر” بمفهوم “سيدنا قدر”، بمعنى أنه بالليل يأتي ضوء من السماء غير معروف المصدر، إذا دنا من رأس الشخص يمكن أن يطلب ما يشاء ويتحقق له ذلك”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *