أعدها للنشر: المصطفى الحروشي

“رجاء لا تطلب مني أن أصمت”.. “اسمح لي بأن أتنفس”… بمثل هذه العبارات يخاطب “اللاجئ” مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، القائد السابق لما يسمى بجهاز الشرطة لدى ملشيات جبهة “البوريساريو” من يطالبونه الكف عن خط حكايات بخط اليد حول أهوال الجحيم، هناك في مخيمات الحديد والنار والقمع والحصار في تندوف فوق التراب الجزائري.

جريدة “le12.ma” تنشر طوال الشهر الفضيل حلقات سيرة ذاتية بطلها إنسان بعنوان “الخروج من فم الثعبان” يروي أسرار تفاصيلها مع عاش تفاصيلها.

*لا تطلبوا مني أن أصمت

 صباح يوم 1 دجنبر 2010، استدعيت إلى مكتب المفوضية السامية لغوث اللاجيين في موريتانيا.. أحضروا لي صور أبنائي، وفيها صورة ابنتي، التي لم أرها من قبل.. وأجريت أول اتصال من مكتب المفوضية مع والدتي لتطمئنّ علي، وكان اتصالا صعبا جدا، فقد كانت تكتم قلقا يؤرّقها منذ قرابة شهرين بعدما سمعت، كما سمع العالم، خبر الإفراج عني ولم ترني، فشكّت في أنه ربما وقع لي مكروه وأن الجبهة تتستر على الأمر.

أخبروني في مكتب مفوضية غوث اللاجيين بوضعي القانوني وبأن الحكومة الموريتانية قبلت، مشكورة، استضافتي فوق أراضيها لأسباب إنسانية، لأنها كانت الخيار الوحيد المتاح بحكم حدودها مع البوليساريو فوق التراب الجزائري، بأني في وضع عبور “ترانزيت” وليس إقامة.

وهذا الوضع لا يرتب على الحكومة الموريتانية أية حقوق تجاهي غير حق الحماية القانونية والامنية. وهذا يعني أنه لا يحق لي طلب الاجتماع العائلي في موريتانيا ولا الحصول على وثائق، كجواز السفر، ولا النشاط السياسي.

بعد أزيد من شهرين عرضت علي مفوضية غوث اللاجئين اللجوء الى فنلندا.. واستغربت العرض، فهو بلد بعيد جدا عن منطقتنا ولم يكن ضمن خياراتي، التي سئلت عنها قبل مجيئي إلى موريتانيا ولم أتلق منها ردا بعد.

بعد استفساري عن الأمر، فهمت أن هناك من يريدون نفيي حقا عن المنطقة و ابتكر حيلة بالتواطؤ مع جهات نافذة في مفوضية غوث اللاجئين مفادها أنه شفقة علي! و من أجل تسريع الإجراءات، بعثوا طلبي كحالة استثنائية إلى العديد من الدول، وأن أول رد ايجابي تلقوه جاء من فنلندا، وهي الخيار الوحيد أمامي!.

رغم العرض الملغوم، فقد قبلت بشرط أن يشمل أبنائي، كما كان التزام المفوضية المسبق معي، ولكنهم رفضوا وأصروا على أنهم مسؤولون عن حالتي فقط.

وبذلك بقي وضعي معلقا بين موريتانيا، الملتزمة باتفاقها المبدئي مع مفوضية غوث اللاجئين بأني مجرد عابر، وبين من عليه أن يعبر بي هذا اليمّ ويرفض بحجة أنهم قدّموا لي عرضا ولم أقبله.

راسلت المنظمات الدولية واستنفدت كل أشكال النضال من أجل استعادة حقي الإنساني في الاجتماع بأسرتي وحقي في التنقل.. وأضربت عن الطعام، إنذارا، يوما فيومين، قبل ان أدخل في إضراب مفتوح 39 يوما متواصلة. وقمت بعدة وقفات و اعتصامات تجاوزت ستة شهور أمام مكاتب المفوضية السامية لغوث اللاجئين، حتى أعياني النضال.

فهمت أن هناك أطرافا دولية تضغط ليستمرّ وضعي على حاله، فبقائي في موريتانيا المحايدة وحرماني من حقي في الحصول على جواز سفري يحدّان نشاطي “المزعج”، وأنا لست دولة ولا سلطة لي على صناع القرار في الحكومات ولا في المنظمات الدولية.

منعت من كل شيء، وكأنني خرجت من سجن صغير إلى سجن أكبر، ليس ذما لموريتانيا، التي آوتني بعد تشريدي، ولا لشعبها، الطيب المضياف، الذي لا أشعر بالغربة بين أحضانه، ولكنه واقع أكبر مني ومن موريتانيا..

وككل مسجون في العالم، لم أعدم الوسيلة لأحتال على سجّاني، الذي يريدني ان أبقى منفصلا ومعزولا عن عالمي.. نحتتُ بأظافري نافذة في جدران الحبس العالية، أطل منها، بين الفينة والأخرى على العالم الخارجي، أغرد ككل العصافير الأسيرة منشدا: صامدون هنا خلف هذا الجدار الأخير..

وللحكاية بقية..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *