يونس دافقير

منذ أعلنت الرباط مقاطعتها للسفارة الألمانية بالمغرب، يحاول وزير خارجية ألمانيا التواصل هاتفيا مع نظيره المغربي، لكن بوريطة يرفض.

الدبلوماسية المغربية لديها تقديرها الخاص: قبل الأقوال لابد من الأفعال، والصداقة تحتاج إلى ما يثبتها. وخارج خطاب العاطفة الدبلوماسية لم يصدر عن برلين فعل ملموس، ولذلك جاء استدعاء السفيرة المغربية من ألمانيا للتشاور تحصيلَ حاصل.

القصة طويلة، وجذورها تبدأ من برلين وليس من الرباط..

منذ البريكست وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مرورا يتراجع الدور الفرنسي، تحاول ألمانيا، مسلحةً بتفوقها الاقتصادي، التحول إلى فاعل في الساحة الدولية. وعكس حضورها الباهت سابقا في الساحة الدولية، تجد ٱثارها الٱن في إيران، ليبيا، وحتى الصحراء…

في شمال إفريقيا، على سبيل المثال، تحاول ألمانيا التأثير في المنطقة عبر بوابتي ليبيا والصحراء، وهي تستفيد في ذلك من دعم جزائري يخلي لها مساحات فارغة في سياق حسابات جزائرية فرنسية، جزائرية مغربية.

بالنسبة إلى الدبلوماسية المغربية الطموح الألماني مشروع، لكنه لا يجب أن يكون على حساب المصالح القومية للمغرب، كما أنه يجب أن يكون طموحا واضحا في وجهته وتوجهاته.

من زاوية أنها عملاق اقتصادي، لم تغير ألمانيا نظرتها إلى المغرب، الذي تحول إلى قوة إقليمية طموحة. وبالنسبة إلى المغرب ما كل شيء يتم بصفقات مالية، والدولة التي عمرها قرون ليست مثل دويلات ما بعد الحرب العالمية الثانية وموجة الاستقلال. كما أن شمال إفريقيا ليس هو أوروبا الشرقية.

ومن هذه الزاوية ينظر المغرب إلى ألمانيا على أنها عملاق اقتصادي دولي ما من شك في ذلك، غير أن ذلك لا يؤهلها وحده لأن تكون فاعلا دوليا.

فضلا عن غيابها الطويل عن الساحة الدولية، والذي جعلها تفتقد أدوات التأثير التي تبحث عنها اليوم، ليس لدى ألمانيا فهم ودراية بملفات المنطقة، والفشل المدوي لمؤتمر برلين حول ليبيا وتوترها الحالي مع المغرب خيرُ دليل على ذلك.

بالنظر إلى تباعد الرؤى سيصطدم البلدان بداية في الصحراء، ثم في ليبيا. مع تعيين الألماني هورست كوهلر مبعوثا للأمم المتحدة في الصحراء، ظنت ألمانيا أنها فرصتها للتوغل في المنطقة، ولذلك حرصت على إضفاء “لمسة ألمانية” على وساطة الأمم المتحدة.

الذكاء الألماني سيحاول أن يفرض عقد لقاءات كوهلر في برلين، والمغرب انتبه إلى ذلك ورفض. وبعد فترة من الجمود، ستنجح الرباط في استبعاد برلين وعقد الاجتماعات في المكان الذي اقترحه، وهو لشبونة. ومن الواضح أن ألمانيا لم تنظر إلى ذلك بعين الرضى.

وإضافة إلى صلابة اللاءات المغربية الثلاث وتطورات الوضع الجزائري، قدم المبعوث الألماني استقالته، لدواع قال إنها صحية.

لم يمض غير وقت يسير ، وستجد ألمانيا ما تظن أنها فرصتها لمعاقبة المغرب واستعادة المبادرة في ملف الصحراء. حين دعت إلى مؤتمر برلين حول ليبيا استبعدت المغرب بشكل مثير للدهشة، وهو صاحب ثقل كبير في هذا المل. وأشهرا بعد ذلك، كانت البلد الأوروبي الوحيد، وحتى روسيا لم تقم بذلك، الذي يدعو إلى اجتماع لمجلس الأمن لمناهضة الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.

ولأن ألمانيا ليست لديها دراية بالمنطقة ولا فهم عميق للخصوصية المغربية، سارت على نفس المنوال من ردود الأفعال، لكن هذه المرة في مجال خطير وحساس، يتعلق بالمعلومات الإستخباراتية حول الإرهاب والإرهابيين. فقد سبق للمخابرات المغربية، قبل أربع سنوات تقريبا، أن أبلغت نظيرتها الألمانية بوجود تهديد إرهابي وشيك فوق التراب الألمان. ومع تهاونها في التعامل مع هذا التحذير وتسرب ذلك إلى الصحافة الدولية، وجدت المخابرات الألمانية نفسها في وضع محرج.

وللرد على هذا الوضع، لم تجد ألمانيا غير الإرهابي حجيب كي تنفخ فيه، في نفس الوقت الذي كان فيه الإعلام التابع للخارجية الألمانية يهاجم بشراسة المسؤولين الأمنيين المغاربة، وأساسا عبد اللطيف الحموشي…

التحول الخطير سيقع في اللحظة التي ستلجأ فيها المخابرات الألمانية إلى ممارسات صبيانية، كل المعلومات التي تتلقاها ليلا من المخابرات المغربية تنقلها في الصباح إلى الإرهابي حجيب! بل وصل الأمر بالمخابرات الألمانية إلى إبلاغه بعدم السفر في نفس التوقيت الذي وضع فيه المغرب مذكرة دولية ضده لدى الأنتربول!

الانفعال الألماني وجنون التفوق سينتقل إلى الرباط، خمس منظمات ألمانية تخرق القواعد اليبلوماسية للتمويل وترفض الخضوع للقوانين، ألمانيا تعتبر ورقة حقوق الإنسان بوابتها الأخرى نحو المغرب، ومرة أخرى تصطدم بالسياسة الوطنية.

كان الجنرال ديغول يقول: إن الألمان إما يكونون مهيمنين أو مهيمنا عليهم.. وبالنسبة إلى المغرب، لا يريد من خلال هذا التصعيد مع برلين سوى إبلاغها أنه يريد علاقة متوازنة لا يهيمن فيها أحد على الآخر.

مهما كان هذا التقدير مقنعا بصوابية التصعيد المغربي، ظن كثيرون أن المغرب ربما يغامر دبلوماسيا أو أنه يتصرف بأكبر من حجمه. إنه سؤال جدي: كيف يمكن فتح جبهتين، واحدة مع ألمانيا وثانية مع إسبانيا في نفس التوقيت؟

تعتقد الديبلوماسية المغربية في مقاربتها الجديدة أن المغرب لديه كثير من المشاكل، لكنه تخلص من مركبات النقص بالنظر إلى الإمكانات التي صارت لديه. وباختصار، البلد لم يعد يرغب في أن ينظر إلى نفسه على أنه دولة صغيرة.

من البديهي، وفق المقاربة الجديدة، ألا يبحث المغرب عن الأزمات، لكن وفي نفس الوقت ينبغي الخروج من نفسية أن الأزمة مشكلة. على العكس من ذلك، في دبلوماسية اليوم الأزمة فرصة وليست مشكلة، وهي استثمار بمردودية، وإذا اخترنا طريق الخوف من الأزمات في عالم اليوم، فإننا سنضيع فرصا كبيرة.

وباختصار: هناك دول تبني ديبلوماسيتها على الأزمات وتدبيرها، وهي تظن أن الأزمة فرصة لصناعة واقع جديد، وذلك بالضبط ما يحدث مع ألمانيا وإسبانيا، وفي مدريد يظهر أن مردودية الأزمة كانت جيدة: الجميع في إسبانيا، ولأول مرة، يتحدّثون عن أن زعيم البوليساريو مريض وأنه مبحوث عنه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *