أعدها للنشر: المصطفى الحروشي

“رجاء لا تطلب مني أن أصمت”.. “اسمح لي بأن أتنفس”… بمثل هذه العبارات يخاطب “اللاجئ” مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، القائد السابق لما يسمى بجهاز الشرطة لدى ملشيات جبهة “البوريساريو” من يطالبونه الكف عن خط حكايات بخط اليد حول أهوال الجحيم، هناك في مخيمات الحديد والنار والقمع والحصار في تندوف فوق التراب الجزائري.

جريدة “le12.ma” تنشر طوال الشهر الفضيل حلقات سيرة ذاتية بطلها إنسان بعنوان “الخروج من فم الثعبان” يروي أسرار تفاصيلها مع عاش تفاصيلها.

*لا تطلبوا مني أن أصمت

كنت مستغرقا في هواجسي حينما مر من أمامي شريط حياتي في لحظة. وكيف أن الجبهة التي ادّعت انها حررتني واحتفت بتحريري ومن معي ممن أتت بهم من مدينة السمارة في 1979 وجعلتني واحدا منها وموظفا ساميا في “الدولة” التي أعلنتها.. الجبهة نفسها اليوم تطردني لأني كنت ذلك الشخص الذي ادّعت.. أوَليس الكلام أدنى صور الحرية؟!

حاولت أن افهم الجبهة حتى أعياني الفهم.. طوال 31 عاما و هم يقولون، وأنا وغيري نصفّق. 31 عاما وهم يفعلون، وأنا و غيري نبارك. ويوما واحدا قلت فقالوا ليس لك الحق في أن تقول إلا ما نقول.. فلماذا “حرّرتموني” إذن؟!.. ولماذا تدّعون أنكم تناضلون وتقاتلون وأنكم مستعدّون للموت من أجل التحرير، وأنتم لا تريدون غير عبيد يفعلون ما يؤمَرون أو ببغاوات يغرّدون كما تغردون؟!..

فكرت في الدولة التي كنت مواطنا وموظفا ساميا في أمنها وأسكنت من ذرتي فيها.. فكرت في “الجمهورية العربية الصحراوية”، برئيسها وحكومتها و ولاياتها ودوائرها وبلدياتها، وأين تقع؟.. وقد أخبرني مكتب المفوضية السامية لغوث اللاجيين بأنني ممنوع من دخول “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”، لأن الجزائر تمنعني من دخول ترابها!..

“دولة” بكل مؤسساتها وشعبها تختفي في لحظة ولم تعد موجودة إلا في خيالي! تخيلوا أني أنا الأحمق انجبت أبناء وبنيت بيتا واجتهدت ليكون لي عمل. ولما ظننت أني صرت مثل كل البشر، قيل لي، كما قيل لوالدي، عد الى الصفر. والدي وجد بقايا بيت محطم وجثث بعض من أفراد أسرته ودما وتيقّن من أنه لم يكن حلما. أنا لا. فلم تصبنا قنبلة نووية كهيروشيما وناكازاكي ونسفتنا. ولم يحدث عندنا زلزال و لا إعصار قوم عاد ولا طوفان نوح.. فقط لم يعد حيث كنت موجودا! و كأنني كنت في حلم أو أصبت بالجنون. “دولة” كاملة تختفي، والجبهة الشعبية، التي تريد تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، تقول لك نحن متأسفون يا رئيس شرطتنا على طردك، لأننا لا نستطيع حمايتك في مناطقنا “المحرّرة” من المغرب الذي يريدون “تحرير” بقية الصحراء منه!

تخيلوا أن هذا ما أشاعوه في مخيمنا وجعلوا نساء المخيم يصفّقن للجبهة الرحيمة! الجبهة العاجزة عن حماية إنسان واحد.. الجبهة العاجزة عن أن تُدخل صحراويا واحدا إلى مخيمها لأن الجزائر لا تريد.

رفضت الانصياع لقرار الإبعاد، وطالبت بمحاكمتي، على الأقل لأثبت لنفسي أن “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” ليست وهماً.. أريد أن أجلس أو أقف في محكمتها وأن تحكم عليّ بالإعدام، لكي أعرف أنّ هناك أمتارا من هذه البسيطة حيث حكم عليّ تسمى “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”، ولم أكن أعيش وهما على مدار ثلاثة عقود.

أعياني الفهم.. ومن فهم منكم فليساعدني على الفهم.. أين تقع “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”؟! فأنا مواطن من “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” منذ 6 أكتوبر 1979، أحمل جنسيتها وشواهد عمل في مؤسساتها، لا بل لي منزل فيها وأسرة وأهل وأصدقاء!

وتذكرت إحدى قصص الحكيمة “تيبة”، كانت إحدى النساء تطحن الشعير برحى في خيمة، حينما جاءها طفل يريد سفّة من الشعير، ومد إليها يديه مطوقا ركيزة الخيمة. وبعد أن ملأتهما بالشعير، لم يستطع الطفل سحب يديه لأن ركيزة الخيمة تمنعه ولا يريد فصل يديه كي لا يفقد بعضا من الشعير.. اجتمع سكان القرية ولم يجدوا من حل غير أن يقطعوا يدي الطفل أو ينكبّ الشعير، وكلاهما خسارة. فاستدعوا الحكيمة “تيبة” فقالت لهم يا لغبائكم، ما أبسط الحل: اطرحوا الخيمة أرضا ثم سلوا الركيزة من بين اذرع الطفل، ويكون المشكل قد حل..وضحكت من دولتنا الـ”جوتّابل”.. أوَمنا نحن “تيبات”…

وللحكاية بقية….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *