المصطفى الناصري

 

تعددت الأدوار التي تلعبها الرياضة المدرسية، فإلى جانب دورها التربوي والتكويني وتحصين الناشئة من كل أنواع الانحراف السلوكي، باتت تشكل مشتلا خصبا لإكتشاف المواهب الواعدة التي قد تعزز الحضور المغربي في مختلف المحافل الرياضية المحلية والدولية.

فسنة بعد أخرى، يظهر التوجه المتزايد للمغرب صوب الرياضة المدرسية باعتبارها خزانا لا ينضب للمواهب والطاقات الإبداعية في أنواع مختلفة من الرياضات، يعزز أرصدة الأندية والجمعيات والجامعات الرياضية، ويساهم في رسم ملامح أبطال المستقبل.

ويأتي هذا الاهتمام انطلاقا من الدور الكبير للرياضة المدرسية باعتبارها دعامة أساسية للرياضة الوطنية، وفضاء حقيقي للتنقيب عن “الطيور النادرة” وصقل مهاراتها قبل الالتحاق بالأندية الرياضية، ومجالا حيويا يساهم في التربية السليمة للتلميذات والتلاميذ وتكوين شخصيتهم ومساعدتهم على اكتساب المعارف والمهارات، فضلا عن كونها تزرع فيهم قيم الروح الجماعية والمنافسة الشريفة.

وتجد هذه العناية بالرياضة المدرسية مضامينها الأساسية انطلاقا من تكريسها للإرادة التي عبرت عنها الرسالة السامية التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس للمشاركين في المناظرة الوطنية حول الرياضة (الصخيرات- أكتوبر 2008).

وهو الأمر الذي تطلب تمويلا لا سابق له لتحقيق الهدف المتوخى، توج بتنظيم الدورة ال17 للبطولة الدولية للألعاب الرياضية المدرسية “جمنزياد” سنة 2018 بمشاركة 3000 رياضي ورياضية يمثلون 58 بلدا (20 بلدا إفريقيا)، وتعيين إطار مغربي رئيسا للاتحاد الدولي للرياضة المدرسة في إفريقيا ، لولاية تمتد لأربع سنوات.

وقد دشنت الرياضة المدرسية مسارها بإحداث اللجنة المركزية الجامعية والمدرسية للتربية البدنية والرياضة سنة 1929، ثم خلق لجنة الرياضة المدرسية والجامعية سنة 1959، وبعدها المفتشية العامة للتربية البدنية والرياضة المدرسية في السنة ذاتها، بالإضافة إلى ذلك تم تأسيس قسم التربية البدنية والرياضة المدرسية في 1973، ومصلحة التربية البدنية والرياضة المدرسية سنة 1975.

وفي سنة 1986 أنشئت الجمعية المغربية للرياضة المدرسية، لتأتي بعدها مديرية التربية البدنية للرياضة والصحة سنة 1994، والجامعة الملكية المغربية للرياضة المدرسية في 28 ماي 1996، ثم مديرية الرياضة المدرسية سنة 1998، والتي أصبحت فيما بعد مديرية الارتقاء بالرياضة المدرسية سنة 2002.

ووعيا منها بأهمية هذا المجال، تولي وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي عناية خاصة للرياضة المدرسية ترجمت أواخر الشهر المنصرم بالتوقيع على اتفاقيات شراكة وتعاون بين الوزارة وممثلي عدد من الجامعات الرياضية الوطنية.

وتروم هذه الإتفاقيات، بالأساس، تثمين التعاون للارتقاء بممارسة الرياضات المعنية بهذه الشراكات محليا وجهويا ووطنيا ودوليا، واكتشاف المتعلمات والمتعلمين الموهوبين، وذلك عبر تنظيم منافسات رياضية وفق برنامج محدد، فضلا عن تعميم ممارسة الرياضات المعنية ما أمكن بالمؤسسات التعليمية العمومية والخصوصية.

وبهذه المناسبة، أكد السيد سعيد أمزازي وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، أن الوزارة تولي عناية خاصة بالرياضة المدرسية لوعيها التام بما لهذا القطاع من أهمية بالغة في تربية المتعلمات والمتعلمين وتكوينهم التكوين السليم من خلال اكتساب المعارف وتنمية الملكات الرياضية واكتساب العادات الصحية والوقائية وترسيخها وتحصين الناشئة من كل أنواع التطرف والعنف والانحراف.

من جهتها، تسهر مديرية الارتقاء بالرياضة المدرسية التابعة للوزارة، بمساهمة الجامعة الملكية المغربية للرياضة المدرسية، على وضع برنامج سنوي للنشاط الرياضي المدرسي وتتبع إنجازه وتقييمه.

وفي هذا الصدد، أكد عبد السلام ميلي ،مدير مديرية الارتقاء بالرياضة المدرسية، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الرياضة المدرسية تعتبر مكونا أساسيا من مكونات الإرتقاء بجودة منظومة التربية والتكوين، ورافعة للتنمية البشرية لتأثيرها الإيجابي على سلوك وثقافة وصحة الفرد والمجتمع، ودعامة حقيقية لتطعيم المنظومة الرياضية الوطنية بالأطر الكفأة والمواهب الرياضية من التلميذات والتلاميذ.

وأضاف، ميلي، الأستاذ المبرز للتربية البدنية، أن وزارة التربية الوطنية تحرص، بتعاون مع الجامعة الملكية المغربية للرياضة المدرسية، من خلال حصص مادة التربية البدنية والرياضية وأنشطة الجمعية الرياضية المدرسية على تأمين ممارسة رياضية لجميع المتمدرسين إناثا وذكورا، مع توفير عرض غني ومتنوع يتضمن عدة أنواع رياضية تلبي حاجياتهم بالإضافة إلى تشجيع التميز الرياضي المدرسي.

وتابع أن الرياضة المدرسية تحظى بأهمية بالغة ضمن المشاريع المنبثقة عن القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي والذي يتضمن الاستراتيجية الجديدة للنهوض والارتقاء بالرياضة المدرسية، وترتكز على محاور أهمها دعم الرياضة للجميع والانفتاح على الرياضات التي تحظى باهتمام الشباب، والتميز الرياضي والدراسي، وتأهيل العنصر البشري.

وفي السياق ذاته، قال عبد السلام ميلي إن المديرية، ومراعاة للظروف الاستثنائية التي يعيشها المغرب جراء وباء “كورونا”، اتخذت مجموعة من الإجراءات لتدبير فترة الحجر الصحي في ما يتعلق بتأمين الممارسة الرياضية لجميع التلاميذ وضمان الاستمرارية البيداغوجية حتى يتمكن المتعلمات والمتعلمون من الاستفادة من حصص مادة التربية البدنية والرياضية في ظروف آمنة تستجيب لشروط السلامة الصحية.

ومن بين هذه الإجراءات ،يضيف ميلي، تدبير تدريس التربية البدنية والرياضية وتأطير الرياضة المدرسية في ظل الجائحة، وتنظيم مجموعة من الأنشطة والتظاهرات الرياضية، بتعاون مع الجامعة الملكية المغربية للرياضة المدرسية.

وخلص إلى أنه في إطار الانفتاح الذي تنهجه الوزارة مع مختلف الفاعلين والمتدخلين من أجل توسيع مجال الشراكات وتمتين أواصر التعاون وتسطير برامج إستراتيجية ذات أهداف استشرافية من أجل الارتقاء بالرياضة المدرسية والوطنية، فقد تم عقد سلسلة من اللقاءات والاجتماعات مع ممثلي مجموعة من الجامعات والهيئات الرياضية الوطنية، توجت بتوقيع مجموعة من اتفاقيات الشراكة.

وعلى الرغم من الإكراهات التي تعيق تنمية وتطوير الرياضة المدرسية بالمؤسسات التعليمية، تواصل الجهات المعنية بتطوير الرياضة المدرسية، مجهوداتها لتكوين أبطال وبطلات من طينة نوال المتوكل وصلاح حسو وإبراهيم بولامي وزهرة واعزيز (…) الذين أضاؤوا سماء الرياضة المغربية، بعدما كانوا ثمرة للألعاب المدرسية التي خطوا فيها أولى الخطوات نحو التألق والنجاحات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *