الذين صدمتهم صورة تلميذات بضواحي شتوكا آيت باها وهن يستعرضن السكاكين إما أنهم يعيشون خارج التغطية أو أنهم يتجاهلون الحقيقة.
الحقيقة هي أن هناك اليوم انتشار مخيف لثقافة الإجرام بين المراهقين إناثًا وذكورا، بحيث أصبحت النماذج التي يقتدي بها هؤلاء المراهقون هي نماذج المنحرفين والمجرمين الذين يطعنون أنفسهم بالأسلحة البيضاء في الشوارع ويتحدون بعضهم البعض لخوض معارك دامية يحرصون على تصويرها ونشرها في شبكات وسائل التواصل الاجتماعي.
ولعل أحسن ما يمكن صنعه مع هؤلاء المراهقات هو متابعتهن قضائيا بتهمة حمل السلاح الأبيض والحكم
عليهن بغرامة يؤديها أولياء أمورهم، لأن آباء هؤلاء المراهقات مسؤولون أيضا عن تربية بناتهم. هكذا سيتعلمن أن حمل السلاح الأبيض وإشهاره تترتب عنه متابعة قضائية قد تؤدي بهن في حالة العود لسجن الأحداث.
إن السبب الرئيسي في انجذاب هؤلاء المراهقين لعالم الجريمة التي تؤدي بهم إلى الإعتقال المبكر هو الإدمان.
عندما نقول الإدمان فإننا نقصد تحديدا الإدمان على المخدرات، الحشيش، القرقوبي، الإكستازي، الكالة، المعجون، وما إلى ذلك من أصناف الدوخة التي أصبح أبناء وبنات المغاربة واقعين تحت تأثيرها المدمر.
والذين حكمت عليهم الأقدار بالمرور عبر قضبان سجون المملكة وحدهم يعرفون أن الساعات الصفراء الملقبة ب”الطابلو”، و”الكيطمات” الرياضية من نوع “أضيضاس” المزينة بإشهار طيران “الإمارات” و”نايك” التي يتباهى بها “أبطال” ما يسمى “التشرميل” على صفحات الفيسبوك، هي “علامات تجارية” خارجة مباشرة من زنازين السجون.
بمعنى أن كل أولئك الشباب والمراهقين والمراهقات الذين يتباهون بصورهم وهم يلوحون بالسكاكين أو وهم فوق صهوات دراجات “تي ماكس” أو وهم يعرضون “غنائمهم” وأسلحتهم البيضاء الحادة، هم خريجو سجون المملكة وإصلاحياته.
وهكذا ظهرت “الموضة” الخاصة بالسجناء، وأصبح لهم زيهم المعروف الذي يقلده المراهقون والمراهقات، أي “سبرديلة نايك” و”كيطمة أضيضاس” وكلاكيطة وجوارب بيضاء وساعة صفراء كبيرة وقصة شعر تشبه رأس الديك الرومي بسبب العرف الذي يربونه طيلة تواجدهم في المؤسسة السجنية.
والذين يعدون دراسات عن بعد حول وضعيات السجون لكي يعززوا بأرقامهما المهولة تقاريرهم السنوية، يجهلون أن هناك في المغرب اليوم ما يمكن تسميته “ثقافة الإجرام” الناتجة عن الإدمان.
وهذه الثقافة تعرف إقبالا منقطع النظير من طرف مراهقي اليوم الذين يتحولون بسرعة رهيبة إلى جانحين يقومون بسلوكيات العدوانية تتحول بسرعة إلى سلوكيات إجرامية تهدد أمن أسرهم وأمن المواطنين وسلامتهم الذاتية في الأماكن العامة لسبب واحد ووحيد هو سلبهم المال لتوفير جرعتهم من المخدرات.
الإدمان يولد الإجرام والإجرام يفرخ اليأس، وليس هناك أخطر على الشعب من اليأس، اليأس يصنعه الظلم القضائي والإجتماعي والإقتصادي.
يصبح لديك أناس ليس لديهم ما يخسرون، أن تتواتر حالات إحراق الذات والإنتحار بعد تصفية آخرين، يستوي في ذلك القاصرون الذين رسبوا في امتحان والبالغون ضحية حكرة، والعجزة الثمانينيون ضحية الحكرة.
والحل سهل وبسيط، لكنه يتطلب إرادة ورجالا لتطبيقه.
يجب محاربة الإدمان بتجفيف منابع ترويج المخدرات بكل أنواعها، وليس ببرلماني يقول من داخل قبة البرلمان أن من يدخن الكيف لا يمكن أن يرتكب جريمة لأنه كايمشي ينعس سنحارب تعاطي المخدرات.
يجب إصلاح السجون وتحويلها من مراكز لتجميع الجانحين والمجرمين وتركهم يمارسون فوضاهم ويتعاطون إدمانهم، إلى مراكز اعتقال وإنتاج يشتغل فيها السجناء ويدرسون ويتعلمون حرفا تنفعهم.
ولعل أخطر ما تكشفت عنه هذه الصورة هو تعوض العائلة المغربية لتغيير خطير ومتسارع في سلم القيم، بحيث أضحت سلوكيات كانت بالأمس القريب عارا سلوكيات مقبولة.
هناك اليوم انحراف خطير يتهدد الأسرة المغربية، التي هي النواة الصلبة للمجتمع، والإعلام العمومي يتحمل مسؤولية كبرى في هذا الصدد لأنه يقوم يوميا عبر مسلسلاته بتكرار ترويج نماذج أسرية واجتماعية غريبة عن قيم وعادات المجتمع المغربي.
وهنا يظهر الدور الأساسي للأب في التربية، وهناك باحثون يشيرون إلى أن ظاهرة انتشار العنف والفشل الدراسي والعقد النفسية بين أطفال وهي غياب الأب.
علينا أن نكون صريحين ونسأل أنفسنا بوضوح، كم أب بيننا يذهب إلى المؤسسة التعليمية التي يدرس بها ابنه أو ابنته كل شهر لكي يسأل الإدارة عن سلوكها ومستواها الدراسي ومشاكلها مع الأساتذة ؟
أستطيع أن أقول بأن هناك آباء لا يعرفون حتى المستوى الدراسي الذي يدرس به أبناؤهم، ولذلك فمن السهل أن نتهم الدولة بمسؤوليتها في فشل أبنائنا التعليمي، لكن هل يستطيع أن يعترف الآلاف من الآباء أنهم لا يعرفون أين تقضي بناتهم وأبناؤهم ساعات الفراغ بين حصة وأخرى.
فجميعنا نرى تلميذات في الثالثة عشرة من أعمارهن يوميا في أحياء المدن يجلسن أمام أبواب العمارات يراقبن مرور السيارات، وأراهن رفقة تلاميذ في أعمارهن يتجولن بحقائبهن فوق ظهورهن بين مقاهي الشيشة ونوادي الغولفازير المنتشرة مثل الفطر. حيث يضعن أولى خطواتهن في عالم الانحراف.
هل يعرف آباء وأولياء التلاميذ أن هناك اليوم من يعرض على أبنائهم وبناتهم أمام أبواب الإعداديات والثانويات كؤوس النبيذ بدرهم ونصف للكأس، وأقراص القرقوبي وقطع الكيكة المحشوة بالمعجون والكالة وأقراص الإكستازي.
طبعا الدولة مسؤولة عن تقصيرها في محاربة تفشي هذه الأمراض أمام عتبات المؤسسات التعليمية، لكن الآباء أيضا مسؤولون، ويجب أن يبذلوا مجهودا كبيرا لمراقبة أبنائهم وبناتهم.
الشارع ليس مكانا آمنا حتى نرسل إليه أبناءنا ونجلس مطمئنين في البيت بانتظار عودتهم، الشارع غابة متوحشة مليئة بالذئاب الآدمية، وأطفالنا بمثابة طرائد سهلة بالنسبة لهؤلاء.
رشيد نيني-كاتب صحفي