*محمد سليكي
لا شك أن تجاهل نور الدين بوطيب، الوزير المنتدب في الداخلية، أمس الاثنين في مجلس النواب، للضجة المخدومة للفرق البرلمانية لأحزاب الأربعة، ومن بعيد، خامسهم، تنظيم العدل والإحسان، المطالبة بوقف البرامج التضامنية لمؤسسة “جود” للتنمية، يحمل أكثر من دلالة ورسالة، لعل أبرزها أن منطق الدولة اليوم يهمه قبل كل شيء، ما يعزز الأمن و الاستقرار الاجتماعيين، أولا.
تصوروا معي، لو أن الداخلية سايرت حماقات تلك المطالب وأصدرت تعليماتها إلى السلطات بمنع مختلف مبادرات الإحسان التضامني، ومنها قفة رمضان، كيف سيكون رد فعل ذلك المواطن المعوز هناك في أحزمة البؤس من وراء الأعالي والصحاري، وحتى في المدن ذات البنيان العالي، تجاه صعقه فجأة بخبر منع أو وقف تسليمه المعونة الرمضاينة، وهو الذي يوجد في هذا الشهر الفضيل، بين مطرقة الأزمة الاجتماعية، حيث الهشاشة تحيط به من كل جانب، وسندان حظر التنقل الليلي، الذي حد من تجارته أو إجارته.
الأكيد أن ذهاب الداخلية في إتجاه منع مختلف مبادرات الإحسان التضامني، وهو ما لم يقع، ولا أعتقد أنه سيقع، سيؤتي بنتائج عكسية، لا يمكنها إلا أن تسهم في إخراج المعوزين إلى الشارع، ليس بالضرورة من أجل الاحتجاج بسب الجوع، لأننا لا يمكن أن نكون أمام ثورة الجياع في بلد المغرب الأخضر، ولكن من أجل البحث عن “مصروف الكاميلة”..
أخال أنه حينها لن يهتم ذلك المعوز، بما إذا كان قد خرج للبحث عن بديل لـ “قفة معاونة رمضان”، في الليل أو النهار، سعيا إليه بالحلال، أو مضطرا للسقوط من أجلها في الحرام.. وهل إلتزم بالتدابير الاحترازية التي فرضتها السلطات لحماية بلادنا من عدو لا يُرى، أو خرقها وهو يرى.
تصوروا معي، حدوث هذا السيناريو، كيف ستسري “الروينة” في المجتمع؟ و من سيكون في الصفوف الأمامية، لإعادة فرض الاستقرار الاجتماعي الهش؟، وكيف سيُضرب في العمق مجهود الدولة في استتباب الأمن الاجتماعي، خاصة في هذه الظروف الصعبة التي تمر منها البلاد؟…
تصوروا معي فقط، كيف سينظر ذلك المواطن المعوز أو “طالب معاشو” أو “البوعار” أو الأرملة أو بائعة الهوى أو أم اليتامى.. إلى من حرض على قطع رزقهم ودعا إلى وقف تسليم معونتهم؟.
ألن يرى الكثير منهم، في تلك الأحزاب الأربعة (البيجيدي، الاستقلال، البام، التقدم والاشتراكية) كأعداء للمعوزين والفقراء والمحرومون؟. وهي التي لم تذخر جهدا في دفع الداخلية إلى حرمان هؤلاء الدراويش من قفة رمضان.
هل طرحت تلك الأحزاب الأربعة، وهي تزايد بورقة منع قفة رمضان بمبرر قرب الانتخابات، تلك الأسئلة على عقلها السياسي؟، وهل استحضرت وهي تدخل عبر فرقها البرلمانية في جذبة الإطاحة بالإحسان التضامني، تلك السناريوهات المخيفة لما بعد تنفيذ نزوتها السياسية في منع المعونة الرمضانية؟.
في الواقع، أعتقد أن العقل السياسي لتلك الأحزاب عطله التهافت الانتخابي، عن بسط تلك التساؤلات، وإستحضار تلك السيناريوهات، بالمقابل أكاد أجزم أن العقل السياسي والأمني، للداخلية اليقظ، استحضر تلك السيناريوهات وأكثر، طالما أن منطق الدولة والحالة هاته، يؤمن بأن كل شيء قابل للنقاش، عدا ما قد يهدد الإستقرار الاجتماعي وما يتفرع عنه.
كما أن وزارة الداخلية، التي لا ترد شاردة أو واردة إلا وعلمت بها، تدرك ما لا تدركه تلك الأحزاب، حول الإحسان العمومي في المغرب، تماما كإدراكها بأن مؤسسة “جود” تشتغل منذ سنوات، في إطار القانون المغربي وما يكلفه الدستور للمجتمع المدني، وبتمويل مغربي ومع جمعيات كثيرة عبر التراب الوطني، وطبعا تحت أعين السلطة المحلية، إن لم تكن بتنيسق معها على مستوى المشاريع الكبرى، كبناء المدارس وتشييد القناطر وشق الطرقات… التي لا يمكن تنزيلها إلا بإشراف وتدخل السلطات المختصة..
راه دولة المؤسسات هادي آسي.
لذلك كان نور الدين بوطيب، الوزير المنتدب في الداخلية، حكيما، عندما تجاهل “جدبة” ممثلي الفرق البرلمانية للأحزاب الأربعة ( البيجيدي، الاستقلال، البام، التقدم والاشتراكية) ومن ورائها جماعة العدل والإحسان، رأس الأفعى في إثارة الفتنة. و واجه مطلبهم غير المؤسس، بـ”النُخال”، أو هكذا بدى الأمر، وهو يقول كلمته بإسم الدولة ممجدا قيم التضامن عند المغاربة، ومضى.