أعدها للنشر: المصطفى الحروشي

“رجاء لا تطلب مني أن أصمت”.. “اسمح لي بأن أتنفس”… بمثل هذه العبارات يخاطب “اللاجئ” مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، القائد السابق لما يسمى بجهاز الشرطة لدى ملشيات جبهة “البوريساريو” من يطالبونه الكف عن خط حكايات بخط اليد حول أهوال الجحيم، هناك في مخيمات الحديد والنار والقمع والحصار في تندوف فوق التراب الجزائري.

جريدة “le12.ma” تنشر طوال الشهر الفضيل حلقات سيرة ذاتية بطلها إنسان بعنوان “الخروج من فم الثعبان” يروي أسرار تفاصيلها مع عاش تفاصيلها.

*لا تطلبوا مني أن أصمت

بعد المقابلة مع تلفزة العيون الجهوية، استقليت سيارة أجرة من العيون إلى العاصمة الموريتانية نواكشوط، ومنها الى مدينة زويرات، شمالا، وهي المدينة التي تتم فيها المبادلات التجارية بين المخيمات وموريتانيا ويكون فيها الصحراويون بشكل شبه دائم.

عرفتُ، بمجرد وصولي إلى مدينة زويرات، أن جواز السفر الذي كان بحوزتي لم يعد صالحا للاستعمال. وما بقي معي من الوثائق هي بطاقة التعريف “الصحراوية”، التي تسمح لي بالتنقل فقط بين موريتانيا والمخيمات.

أعلنت الجبهة صراحة، ورسمياً، موقفها، عبر أحد ممثليها في الخارج، أنهم لن يسمحوا لي بدخول المخيمات. وفي المقابل، أصررت على الذهاب إلى هناك..

وفجأة، أصبحت قضيتي قضيةَ العالم أكمله. وصرت أتكلم كل اللغات، لكثرة استفسار الصحافة عن وضعي وأين وصلت. حتى الجبهة اتصلتْ وقالت إنها أرسلت مفاوضين سيقابلونني في مدينة زويرات وطلبوا مني أن أنتظرهم.

كان الجو متوترا جدا، وأكثر من عانى كان مدير أمن الولاية. وكان رجلا طيبا وخلوقا، فقد تحولت مدينته الحدودية، البعيدة عن السّجالات السياسية حتى في بلده، إلى مركز  أنظار العالم، وفيها إنسان تسأل كل الوكالات عن مصيره. ولا حول له ولا قوة. فموريتانيا ليست طرفا في قضيته، والمصيبة أنه بات بلا جنسية.. ليس معه غير وثائق “الجمهورية الصحراوية”، التي تتبرأ منه. كان على السيد المدير نفسه أن يؤمّن المنزل حيث أقيم، فالمدينة مفتوحة على حدود الجبهة من ثلاث جهات، والاحتياط واجب!

وجاء رسل الجبهة بال…. كانوا أفرادا من القبيلة، منهم من يحمل رسالة الرئيس ومنهم من يحمل رسالة الوزير.

محتوى الرسالتين شطران:

-أن أعود من حيث أتيت..

وقلت ممازحا:

-أنتم لستم ابناء عمّ حقا، أتعنون ما قلتم حقا؟. تطلبون من ابن عمّكم أن يذهب إلى “العدو”، أم أن المغرب تحوّل فجأة إلى “صديق”؟!

والشطر الثاني:

-وإلا…؟؟؟

واصلت المزاح وسألتهم:

-لعل الجبهة أعطتكم عقارا أفقدكم عقولكم..تأتون إلي كابناء عم وتطلبون مني أن أختار بين الذهاب إلى “العدو” أو السجن 25 سنة!.. ألم يحتقركم من حمّلكم مثل هذه الرسالة؟.. لو كنت مكانكم لما فعلت!.. طيب يا أبناء عمي الذين تشهد لهم القبائل بالعدل: لماذا عليّ أن أذهب إلى “العدو” و إلا؟…

كشفت عن صدري، فلم يجدوني أحمل حزاما ناسفا، وفتحت حقيبتي وليس فيها بنادق ولا قنابل.

وتساءلت: ما ذنبي كي أخيّر بين الذهاب إلى “العدو” أو السجن المؤبد؟

فلا شك في أن فيكم من شهد أطوار المحكمة التي عُقدت في مخيمنا للنظر في قضيتي في غيابي.. حدّثوني، كيف سارت الجلسات؟  ومن كان وكيل النيابة الذي تلا صكّ الاتهام؟ ومن كان القاضي والمستشارين؟ ومن المحامي الذي وكلتموه للدفاع عني؟..

-خلينا من ((تفيتيتك)) المحكمة محكمة آش؟.. (دعنا من هزلك، عن أي محكمة تتحد؟)..

-أنت قلت إنك مع الحكم الذاتي..

-وماذا بعد؟.. أين المشكل؟ فأنتم تقولون إنكم مع الاستقلال. لمَ من حقكم أنتم أن تقولوا وأنا لا؟ دمُنا، لساننا، ديننا، أفراحنا، جنائزنا. كل شيء فينا واحد، لم من حقكم أنتم أن تقولوا وأنا لا؟!

كانت خلاصة المفاوضات تبرئة ذمة الوفد بـ”اللهم إني قد بلغت”، وجلسة شاي على مزاح “تشيروني”: خلينا من ((تفيتيك)) (اتركنا من هزلك) ومضى كل في سبيله دون أن نفسد المودة بيننا.

طمأنتهم قبل أن يستقلوا سيارة العودة إلى المخيمات إلى أني لن أكون أنا السفلي في معركتي، ولو أنه لا شرف في النصر في معركة الإخوة.

وواصلت رحلتي شمالا نحو بلدة “بير أم اغرين” الحدودية..

وللحكاية بقية..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *