ع. الرزاق بوتمزار

بحلول رمضان الجاري، تَجدّد، كما في كل سنة، الجدل حول الإنتاجات “الدّرامية”  الموجّهة لـ”الاستهلاك” طوال هذا الشهر، خصوصا  في ظل الحظر الليلي الذي أقرّته السّلطات المختصة، ما يعني اضطرار أعداد إضافية من المغاربة إلى ملازمة منازلهم طوال الفترة الليلية، وربما الاضطرار إلى متابعة بعض هذه الإنتاجات.

وقبل الخوض في غمار هذا الجدل القديم/ الجديد، ما دام أنّ هذه الأعمال أثارت، منذ سنوات، ردود فعل “غاضبة” بالنظر إلى رداءتها وعدم ارتقائها إلى مستوى انتطااتهم، أتساءل، مع كثيرين، هل صار لزاما أو “تقليدا” أن يبدأ المغاربة في “بلع” أولى هذه الكبسولات (سيتكومات وفقرات الكاميرا الخفية وغير ذلك من التهريج) مع أولى اللقيمات أو جرعات الحْريرة “الحامْضة”؟!..

وبذكر “الحموضة”، فهذا الوصف بالذات ما صار ينطبق، وفق المتتبعين، على جلّ هذه الأعمال، حتى لا أقول كلها، بالنظر إلى رداءتها وتكلفها وخوضها في مواضيع سطحية، بدون رؤية فنية ولا اشتغال احترافي في ما يتعلق بالكاستينغ والكتابة وإعداد السيناريو، وغير ذلك من الجوانب الكفيلة بضمان جودة العمل “الفني” وقوته.

فقد صارت نسبة كبيرة من المشاهدين (خصوصا خلال جلساتهم العائلية حول مائدة الإفطار أو العشاء، حين “يُكرهون” على مشاهدة القنوات الوطنية) ترى في هذه الأعمال (جلِّها) حصة “تعذيب” إضافية، يُضطر معها البعض إلى القيام عن المائدة العائلية حتى قبل ان يكمل فطوره أو عشاءه فقط حتى لا يجبر على متابعة المزيد من هذه الأعمال الـ… الحامْضة، فحموضية الحْريرة تفي بالغرض، خصوصا حين تتطاول هذه العمال الفنية على مهن شريفة كالتعليم والمحاماة وْزيد وزيد، بدون حسيب ولا رقيب، و”السيدة” الهاكا في دار غفلونْ! 

والحقيقة أن الأمر محيّر فعلا، فمنذ سنوات والوضع على ما هو عليه، بل يزيد تردّيا وإيغالا في السطحية والميوعة والتطبيع مع الخواء والضجيج غير المنظم، في مشاهدَ متكلّفة ومفكّكة لا يمكن أن تُضحك أحدا أو ترفّه عنه، ما لم ترفع ضغطه وتزدْ أعصابه توترا على توترات الحياة اليومية المتطلّبة في ظل الظرفية الاستثنائية الموسومة بتفشي الجائحة والقرارات المتخَذة التي زادت مصاعب الواحد منا في توفير لقمة العيش إثر حد التنقل والتضييق على الحرّيات وخنق الأنفاس..

ناهيك عن الفورة التكنولوجية الهائلة وانفتاحها على منصّات عالمية تعرض أعمالا فنية متكاملة تشد الأنظار بفضل حبكتها وجودتها وحسن اداء ممثليها المحترفين والموهوبين وخريجي ارقى معاهد التمثيل، وليس “خرّيجي” وخريجات “التيك توك” وغيرها من التطبيقات، الذين صار بعضهم، بين ليلة وضحاها، “ممثلين” و”ممثلات”، فيما خرّيجو وخريجات المعاهد و”قدماء المحاربين” والمحاربات في المجال يعانون الويلات، ونحن نعرف ظروفهم المزرية في ظل إغلاق المسارح وقاعات العروض بسبب إكراهات الجّايْحة.. 

جايْحة حقيقية ضربت الفن المغربي مع الأسف، رغم ما تستنزفه من ميزانيات ضخمة من المال العامّ، تستقطع من أرزاق المغاربة في هذه الظرفية العصيبة ومن أجل ماذا؟ من أجل إنتاجات بايخة وحامْضة تمرر “صفقاتها” وفق مبدأ “بّاك صاحبي”  وأشياء أخرى لا داعي للتفصيل فيها، فما خفي أعظم.. والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *