ع. الرزاق بوتمزار

ما زالت بعض السلوكات والممارسات تكرّس مظاهر كان يجب أن “تنقرض” منذ زمان من أجمل بلد في العالم..

وقبل أن أدخل في موضوع الليلة، أعرّج على موضوع “بنت الكوميسير”، والضجة التي أحدثها تصرّفها الذي أدرجه البعض في خانة “شوفوني”، الذي طبع أيضا “حدث” توزيع قفف رمضانية في طنجة بحضور كل من الوالي وموظفين كبار وقياد ورجال درك ورجال أمن وقوات عمومية وشيوخ ومْقدّمين وعمال في الإنعاش الوطني..

وحتى يتم توثيق الحدث، كان لا بد من حضور كوكبة من “الصّحافيين” حتى يكتمل المشهد ويتم… توزيع قفة مساعدات رمضانية بسيطة، مع تصوير المستفيدين و”المتاجرة” بمأساتهم، عبر بثّ صورهم لاستقطاب مزيد من القرّاء (والمشاهدين) المفترَضين وتْطلاعْ “الطوندونس” ولو بالتشهير بفقراء هذا الوطن ودراويشه.

هذه “المناظر” يجب أن تختفي من واقعنا، أو على الأقلّ من مشهدنا السّمعي -البصري، فقفّة رمضان هي، أولا وقبل كل شيء، عمل إحساني يراد به كسب أجر الخالق، وليس المخلوق، من خلال الظهور بمظهر “المنّان”، الذي يبدو كما لو أنه سيسلّم هؤلاء “البؤساء” (الذين ليسوا إلا نتاج سياسات ما تكرّس الفروق الاجتماعية الصارخة في نهاية المطاف) ما سيُغنيهم، وليس مجرَد قفة فيها بعض المواد الغذائية. 

إذا حاولنا أن نتصور ميزانية خرجة والي طنجة، مثلا، وهو يوزّع، هو و”الموكب” الذي رافقه، هذه القفة الرمضانية فسنجد أنها أضعاف أضعاف ثمن كل القفف التي سيكون قد وزّعها في كامل المنطقة في كل أيام رمضان..

لا أظن مثل هذه المشاهد “المهينة” لفئات واسعة من “الفقراء”، الذين يتم تصويرهم وهم في وضعيات بائسة، لمنحهم “مساعدات” خصّصتها لهم الدولة أصلا وليست حتى من جيوب الموزَعين، أمام عدسات الكاميرات، التي تتسابق  لـ”تؤرخ” هذه.. “الإهانة”، إذا استحضرنا أخلاقيات المهنة، التي لا تقبل “التشهير” ولا “الإساءة إلى الكرامة الإنسانية”، أيا كان شكّل هذه الإساءة.

لماذا لا تتم، مثلا، من خلال قسيمات شراء، الاستعاضة عن هذه القفف، التي يتم من أجل توزيعها تجنيد مصالح إدارية مختلفة، بموظفيها وأسطولها من السيارات والناقلات، في هدر للزمن الإداري، الذي يجدر تصريفه في قضاء مصالح الناس، وادّخار كل هذه المصاريف الزائدة، التي تساوي أضعاف الميزانية المرصودة للقفف ذاتها، والتي لا تكرّس في المواطن، مع الأسف، إلا الاتكالية والتسليم بقدَر البؤس والفاقة والحاجة الدائمة إلى منّة أو صدقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *