*عبد الرزاق بوتمزار

الليلة، توقّف بي الرّادار في ثلاث محطات، سأبدأ بآخرها، أي التي رُصدت في آخر لحظة قبل صفّ هذه السطور. محطات تُظهر  الحاجة (العاجلة والملحّة) لأن نسائل ذواتنا، عميقا وبصدق، عن حقيقة ارتباطنا بالعالم (الواقعي) بعيدا عن “الكليشيهات” التي “تصنع الحدث” في صفحات “المؤثرين” في العالم الموازي، الافتراضي ..  

ففي بلفاع، يا سادة يا كرام، رفعت موظفات وعاملات “دار الطالبة”، في وقفة احتجاجية أو معتصم أمام بناية المؤسسة المشغّلة، لافتة تُغني عن كلّ كلام: “مستخدمات دار الطالبة بلفاع يستنكرن عدم توصلهنّ برواتبهن الشهرية لمدة سنة كاملة”..

ولكُم أن تتخيلوا الظروف التي تشتغل فيها هؤلاء العاملات، ربما بأقلّ من الحد الأدنى للأجور، ربّما أكثر من 8 ساعات عمل في اليوم، وربّما ليس مصرّحا بهنّ في أي من الصناديق الاجتماعية… وربّما.. وربّما.. ورغم ذلك لم تصرف رواتبهنّ سنة كاملة، يا وزير الشّغل، يا حَكومة! 

سنة كاملة دون أن تتوصّل بأجرتك (الهزيلة، في الغالب) معناه الموتُ ألف مرة في كل يوم من الأيام الـ300 وكذا وستّين التي تشكّل السنة. أن تُحرَم من أجرتك، أسي أمكراز، أسي رئيس الحَكومة، شهرا واحدا معناه أن تختنق وتطوّقك الأزمات والديون، فما بالكما بشهرين، فخمسة، ثم تسعة، فعام!.. خصوصا ونحن نعيش ظرفية استثنائية موسومة بتفشي الجّايْحة.. واخا ما بْقينا عارْفين أش من جايْحة اللي ضارْبانا فعلا..

المحطة الثانية في رادار الليلة تىقّف بي في محطة خبر مبشّر في شقّه الظاهر، لكنْ في الباطن (واستنتجت ذلك من واقع الحال ومن التعليقات على الخبر) لا شيءَ يبشّر.. يقول الخبر: توصّل العاملون في القطاع السياحي (…) الأربعاء، بمِنح الدّعم المالي المخصص لشغيلة السياحة للشهور الثلاثة الماضية، بعد أيام من إعلان التمديد إلى غاية نهاية يونيو المقبل (…) ويأتي صرف هذا التعويض في إطار تدابير استثنائيَة لفائدة بعض المشغلين المنخرطين بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والعاملين لديهم، المصرح بهم، وبعض فئات العمال المستقلين والأشخاص غيرِ الأُجراء المؤمَّنِين لدى الصندوق، المتضررين من تداعيات تفشِي الازمة العالمية التي ضربت القطاع السياحي”.

وفي التعليق: “العاملون في الفنادق غير المصنفة ما داخلينشّ فهاد التعويضات، مع الأسف الشديد”.

“أما الآن فالجميع أداروا ظهورهم لها”.. شدّتني هذه العبارة التي ختم بها أول من علّقوا على هذا الخبر ونقلتني مباشرة إلى ما جرى لـ”بطلة” محطتنا الثالثة معكم الليلة..

ففي خنيفرة، يا سادة يا كرام، أدار فالجميع أداروا ظهورهم لها.. لسيدة من “أگلموس” أحضروها بسيارة إسعاف، إلى المستشفى، لولا أنهم تركوها في… بابه أربع ساعات، دون أية إسعافات، قبل أن تعيدها عائلتها من حيث أتت على متن… سيارة لنقل البضائع!

هادشي واقْع في.. الواقع ، يا سادة يا كرام، ماشي في صفحات “الافتراض”.

لذلك أجزم أن فتح ورش تعميم التغطية والحماية الاجتماعية الذي أعطى الملك قبل يومين إنطلاقته كفيل بتغيير هذا الوضع.

تصبحون على وطن خال من مشاهد البؤس التي رصدها “ردار بوتمزار ” في ثالث أيام رمضان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *