يونس التايب

يجدد المغرب، كل حين، رغبته في التعاون مع جيراننا الجزائريين، باعتبار ذلك اختيارا إستراتيجيا وقناعة صادقة، كما جاء في خطاب جلالة الملك بمناسبة الذكرى الـ20 لعيد العرش المجيد، الذي أكد فيه جلالته “التزامنا الصادق بنهج اليد الممدودة تجاه أشقائنا في الجزائر، وفاء منا لروابط الأخوة والدين واللغة وحسن الجوار، التي تجمع على الدوام شعبينا الشقيقين”، وتشديد جلالته على أن “هذا الوعي والإيمان بوحدة المصير وبالرصيد التاريخي والحضاري المشترك هو الذي يجعلنا نتطلع، بأمل وتفاؤل، للعمل على تحقيق طموحات شعوبنا المغاربية الشقيقة إلى الوحدة والتكامل والاندماج”. 

في المقابل ما زلنا ننتظر أن تظهر لدى مسؤولي البلد “الشقيق” سلوكات فيها  شيء من النضج والعقلانية والسعي إلى بناء سوق مشتركة وتمكين اقتصاد بلدينا من النمو السريع والتقدم على درب التنمية، عوض استنزاف طاقاتنا في ما لا يفيد.. ومع الأسف ما نلاحظه هو استمرار تشبّث المسؤولين الجزائريين، في كل حوار صحافي أو خطاب رسمي أو خرجة دولية، بتجديد العداء لمصالح المملكة المغربية والتعبير عن كره مرضّي أعمى لدولتنا الوطنية. 

وفي هذا الصدد، يكفي أن يتابع المرء ساعة واحدة مواد بعض قنوات التلفزة الجزائرية أو ما تكتبه بعض المواقع الإلكترونية الإخبارية، ليشعر بالقرف من حرص عدد كبير من “المحللين” و”الخبراء” على جعل المغرب، بكيفية دائم، طرفا أو سببا في كل مشاكلهم الداخلية، التي لا ارتباط لنا بها بالمطلق. كما لا تتردد بعض الأصوات المشؤومة في التطاول على رموز المغرب، بل إن قنوات ممولة من أجهزة رسمية جزائرية تخصصت في ذلك، كما هو حال قناة تلفزية “نهارها” أسود ومظلم بالحقد.

أما عندما يصدر عن أحد مسؤوليهم تصرف تافه نكاية في المغرب، أو يتم استقبال مسؤول أجنبي، أو ينتقل أحد مسؤولي جبهة الانفصال من تندوف أو من فنادق البدخ في إسبانيا ليُستقبل في مقر الرئاسة أو الحكومة الجزائرية لمناقشة “قضايا تهمّ الشعبين الشقيقين، الشعب الجزائري والشعب المتوهم وجوده”، فترى القوم يقفون أمام وسائل الإعلام ويتحدثون كأنهم ينتمون إلى قوة عظمى لها رأي ينتبه إليه العالم لتفصل في قضاياه الكبرى. وبالضرورة لا تمر الفرصة دون الإساءة إلى مصالح المغرب وثوابته و تكرار أسطوانة “تصفية الاستعمار” والحديث عن حقوق “جمهورية” الوهم.

والمصيبة أن هؤلاء “المسؤولين” و”المحللين” و”الإعلاميين” تافهون إلى درجة تجعلهم لا يستوعبون أن سلوكاتهم العدائية ضد مصالح المغرب لا تجلب لهم احترام شعبهم ولا تحقق لهم مكاسب سياسية داخلية، كما لا تعزز مكانة بلادهم الدبلوماسية على الصعيد الدولي. هي فقط سلوكات تزيدنا، نحن، التحاما بثوابتنا الوطنية وتزيد اقناعتنا بسمو انتمائنا المغربي الأصيل وبضرورة أن نظل موحدين وأن نجتهد أكثر لتحقيق تنمية المغرب، وتزيدنا أسفا لرؤية هذا المستوى من ضعف الذكاء السياسي وقصور الفهم الإستراتيجي لدى “مسؤولين” غارقين في مشاكل ضاغطة يعاني منها شعبهم، كانت الأولى بأن تنال كامل اهتمامهم، بدل انشغالهم بالبحث عن الكيد للمملكة المغربية الشريفة. 

عندما تكون مسؤولا في دولة عمرها 60 سنة، دخلت التاريخ والجغرافيا فقط في 1961، عقب خروج الاستعمار الفرنسي الغاشم من آخر جزء ترابي كان محتلا في شمال إفريقيا، يكون المنتظر منك هو أن تتواضع لله وتحمده على أنه أوجدك من العدم، وأن تُحسن معاملة جيرانك باسم قيم الدين الذي تتقاسمه معهم، واعتبارا للأخلاق الإنسانية وقيم التعاون، واستحضارا لمنطق المصالح المادية المشتركة، وردا لجميل دفاعهم عنك واحتضانهم لك أيام مقاومة المحتل. أما الخطابات الشعبوية التحريضية والحركات البهلوانية التي يقوم بها مسؤولون رسميون جزائريون فلا تشرّفهم ولن تنفعهم في شيء، بل تُظهرهم بمظهر بئيس أمام العالم. 

وآخر مثال على ذلك ما حدث قبل أيام، حين غادر مدير الجمارك الوطنية الجزائرية اجتماعا رسميا دوليا مع نظرائه من دول شمال إفريقيا والعالم العربي، نظم عن طريقة البث الرقمي عن بعد (visioconférence) بعد عدم قبول احتجاجه على ورود خريطة المغرب كاملة بصحرائه ورفض كل مدراء جمارك الدول المشاركة طلبه تغيير الخريطة. فبدت الدولة الجزائرية صغيرة بسبب صغر اهتماماتها وقصور وعي مسؤول أتى ليمثلها في لقاء دولي، فأساء التمثيل وشوّه سمعة بلاده. 

مثل ذلك السلوك يؤكد ضعف الكفاءة وقصور الفهم الإستراتيجي الذي تعاني منه الطبقة السياسية والمسؤولون الرسميون والإعلاميون الجزائريون، بينما المفروض أن تدفعهم التحدّيات التي يطرحها الوضع الجيوستراتيجي الجهوي، وآفاق الوضع العالمي وتجاذباته القادمة بقوة، إلى التركيز على نقط أساسية، منها:

1/ تحقيق تكامل اقتصادي جهوي شامل وتعزيز التعاون بين دول المغرب الكبير وشمال إفريقيا؛

2/ ترسيخ الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، والتعاون لتقوية الجبهات الداخلية لدول المنطقة ضد أي تشويش خارجي؛

3 / تنمية المجتمع اجتماعيا وثقافيا ومعرفيا، وتوجيه أموال الشعوب لتحقيق الإدماج الاجتماعي وتطوير التجهيزات وتحديث منظومة الخدمات للمواطنين، عوض تضييعها على تدبير الدسائس وصناعة المؤامرات الكيدية، كما في حالة الجزائر ضد وحدة التراب الوطني للمملكة المغربية.

على مسؤولي البلد الجار أن يعلموا أن تكرار محاولات النيل من حقوقنا الوطنية لن تغير معطيات التاريخ أو يعيد كتابته من جديد. كما أن الواقع على الأرض لن يتغير مهما تمنى ذلك المتربصون، وستظل الصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه. كما ستظل على الجبهة قواتنا المسلحة الملكية الباسلة وكلها استعداد لصد أي اعتداء على سيادتنا أو ترابنا الوطني، مسنودة في ذلك بجيش احتياطي تعداده 36 مليون مغربي مستعدون للشهادة دفاعا عن أراضي وطنهم إذا لزم الأمر.

أما مدير الجمارك الوطنية الجزائري، ربما لأنه يظن أن عمر بلده أكبر من ستين سنة، فاختلطت عليه الخرائط، ومنها خريطة المغرب الحقيقية. وإذا كان الرجل يحتاج إلى تحيين معلوماته بشأنها، فنحن مستعدون لأن نزوده بالخرائط والوثائق التاريخية التي تبين أين كانت تقع النقط الحدودية ونقط المراقبة (جمارك ذلك الزمن!) التابعة لسلطة ملوك وأمراء وسلاطين مغاربة، سواء في مرحلة ما قبل الفتح الإسلامي أو في المرحلة التي أتت بعده منذ اثي عشر قرنا. ظل الحال كذل على امتداد 3500 سنة، وعلى مراحل مستمرة بمئات السنين وغير متقطعة، حتى أواسط القرن التاسع عشر، عندما أتى الاستعمار الغربي، الفرنسي والإسباني، وأحدث ما أحدثه من قتل وتشريد وفوضى وتغيير في الجغرافيا السياسية للمنطقة. 

التاريخ الذي مضى لا يمكن تغييره، وقولنا بشموخ تاريخ المغرب المجيد ليس فيه ما يجب أن يغضب الجزائر، التي لم تكن يوما شيئا يذكر قبل 1961. كما أن هذا التاريخ ليس فيه أي تحقير لهذا البلد الشقيق، الذي نعتبر شعبه أخا لنا، وأجدادنا كانوا أسرة واحدة في أمة مغربية واحدة. هي معطيات ثابتة لا أحد يمكنه إنكارها، وأولهم مدير الجمارك الوطنية الجزائري. فقط عليه أن يعلم هو، ومعه مهرّجو قناة “نهارهم” المظلم حقدا وسوءا، أنها معطيات تفرض على الجميع استخلاص الدروس والقيم الفضلى. 

وإذا كان ما فات لن يعود، فعلينا ألا نسب المستقبل ونحطم طموحات شباب المنطقة في التنمية والتقدم والسلام. لذلك يجب المسارعة إلى وضع اليد في اليد لحفظ مكتسبات الحاضر، وبناء المستقبل على أساس الاحترام والتوقير، وتعزيز التعاون لما فيه خير الشعوب في التنمية والتقدم، وعدم المس بسلامة أراضي وطننا ووحدته الترابية كاملة غير منقوصة. وفي جميع الحالات، سيبقى المغرب كبيرا على التافهين والعابثين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *