*فاطمة الزهراء ازرويل
” نتذكر جميعا تلك المرأة السياسية الفرنسية التي جعلتنا نحلم ذات يوم، نحن النساء المهتمات بالقضية النسائية على الأخص، بأن تتقلد امرأة منصب الرئاسة في فرنسا، حيث أنها خاضت الحملة الانتخابية الرئاسية الفرنسية ضد الرئيس » ساركوزي » سنة 2007، وكادت تفوز في تلك الانتخابات، لأنّ الفارق بينهما في نسبة الأصوات كان ضئيلا جدا.
يتعلق الأمر بالمناضلة الاشتراكية » سيجولين روايال » التي تقلبت في مناصب وزارية شتى، و تعود إلى الواجهة بقوة هذه الأيام، إثر إصدارها لسيرتها الذاتية في دار النشر الفرنسية » فايار ». ويحمل الكتاب عنوانا بالغ الإيحاء والدلالة: » أخيرا، يمكنني التحدّث إليكم ».
ندرك لدى تصفح هذه السيرة، أن العقلية الذكورية إرث راسخ وعميق الجذور في سائر المجتمعات، وأنّ النساء يتعرضن لعنف نوعي قد لا نتخيله ولا نتصور أشكاله وأبعاده في المجال السياسي، و في مجال السلطة التي تحكم بلدا متقدما كفرنسا. كنا نعرف متتبعين ومتتبعات للشأن السياسي الفرنسي، أنّ قادة الحزب الاشتراكي أو مَن يًنعتون ب » الفيَلة »، غير راضين البتّة عن ترشّح سيجولين، وأنهم لم يؤازروها في الحملة الرئاسية كما تفرض ذلك قواعد الانتماء الحزبي، ولكننا لم نكن نتخيل فظاعة ما لقيته مِنهم.
واكبت سيجولين مسارها السياسي بجرأتها المعهودة، وحكت بدون مواربة أشكال التحقير والإهانة التي تعرضت لها من زملائها في الحزب. كان الوسط السياسي الذي تنتمي إليه، أي الحزب الاشتراكي الفرنسي، يعتبرها » دخيلة على السياسة » بحسب تعبيرها، وأنها متطلعة عديمة الكفاءة، ولذلك حمل الفصل الأول من كتابها عنوان » الصراع من أجل البقاء في عالم الرجال »، حيث حكت كل شيء، ابتداءَ من سخافات الموظفين بقبة البرلمان، وانتهاء بالإهانات الموجهة إليها من زملائها في الحزب. تساءل زميلها » لوران فابيوس » ( كان وزير الخارجية) ذات يوم بحضورها، في إشارة منه إلى رغبتها في منصب وزاري: » ومن سيعتني بالأطفال؟ ». أما » ليونيل جوسبان » الشهير بتاريخه في الحزب الاشتراكي الفرنسي، فقد قال لها عندما كان رئيس حكومة وعينها وزيرة لشؤون الأسرة: » فكرت في أنك قادرة على القيام بالمهمة، لأنك أم لأربعة أطفال ».
لا تنتهي قصص الإهانات التي تتعرض لها المرأة في المجال السياسي، تحكيها سيجولين بوضوح شديد… ذات يوم، كانت في مهمة رسمية بإيطاليا مع عدد من زملائها الوزراء، فوجئت باثنين منهم يتضاحكان ويتبادلان المزاح الفجّ بشأن وزيرة إيطالية، ليقول أحدهما غير آبه برئيس الوزراء الإيطالي الذي كان يسمعه: » تصلح هذه للقيام بشيء آخر غير السياسة »…
صفّت سيجولين حساباتها مع الجميع في الوسط السياسي الفرنسي خلال ثلاثين سنة، ولم تغفل حياتها الشخصية والحميمية، حيث طعنها رفيق العمر من الخلف بعد أن عاشت معه أكثر من ثلاثين سنة، رزقا خلالها بابنتين وولدين، عمر أكبرهم 34 سنة. خان فرانسوا هولاند الرئيس الفرنسي السابق رفيقته مع صحفية تصغرها بعشر سنوات… علمت سيجولين بالأمر خلال الحملة الانتخابية، واستأنفتها في ظل معاناة قاسية.
يا له من مسار يجسد قدر المرأة التي تتخطى الحدود المرسومة لها، وتودّ مشاركة الرجل في أخطر المجالات وأكثرها امتيازا، أي السلطة. تذكرتُ مناضلة اتحادية مغربية كبيرة هي، » بديعة الصقلي »، التي كانت إحدى امرأتين دخلتا قبة البرلمان قبل عصر الكوطا واللوائح… كانت بديعة قد تقدمت أيضا للانتخابات الجماعية بدائرة المعاريف بالدارالبيضاء، نالت إعجاب سكان الحي بأكمله، كانت تدق الأبواب وتتحدث إلى الناس بلغتها البسيطة والصادقة، تسعفها في ذلك تجربة السنوات الطويلة التي قضتها في النضال السياسي الجماهيري. ذات يوم، ذكر الصحفي الكبير محمد البريني في مذكراته المنشورة في اليومية التي كان يديرها، » الأحداث المغربية »، أنّ بديعة حصدت أغلبية الأصوات في الدائرة، وأنّ زملاءها في الحزب ترددوا في اقتراحها رئيسة لجماعة المعاريف، واستشاروا بعض القادة الذين كانوا في السجن، واتفق الجميع على أن تعطى رئاسة الجماعة للزميل الذي نال الدرجة الثانية في التصويت… ذنب بديعة أنها كانت امرأة، وحين أبدت ذات يوم مواقف تعارض بعض الزعامات في حزيها، قوبلت بالتهميش الكامل “
من مجلة نساء المغرب.