*عادل الزبيري 
وأخيرا قرر للأسف الشديد المخرج المغربي محمد إسماعيل أن يتركنا من دون تقديم آخر عمل سينمائي، فيغادر إلى دار الراحة الأبدية، بعد صراع مرير مع المرض، وبعد احتراق داخلي مع واقع السينما المغربية، وتوالي ما كان يسميها الراحل خيبات إخراج مشاريع سينمائية.
 
عندما يدخل المخرج المغربي محمد إسماعيل في مشروع سينمائي، يسكنه هوس إتقان العمل، إلى درجة غير اعتيادية، فيخصص يومياته بالكامل، لتركيب مشاهد تليق بالجمهور المغربي.
 
تعرفت على المخرج محمد إسماعيل، لأول مرة في مهرجان سينما الهجرة في مدينة أكادير، لتتوطد بيننا العلاقة كصديقين، نلتقي في مواقع تصوير أو في مهرجانات سينمائية، فلا تغيب البشاشة نهائيا عن وجهه؛ لأن هديته لأصدقاءه ذلك المحيا الباسم، وتربيت على الكتف، ودعوة لتتبع فيلم سينمائي بتوقيعه سيعرض قريبا.
 
في مسرح محمد الخامس، في العاصمة المغربية الرباط، عرض محمد إسماعيل تحفته “وداعا أمهات”؛ أول محاولة سينمائية جادة، في المصالحة عبر الفن السابع، مع تاريخ المغارب اليهود.
 
استقبلني بحضن دافئ جدااا،  ربت علي، كشفت له تشوقي للفيلم، وخبرته أن صديقه وصديقي المصور التلفزيوني الراحل الخطابي، يمارس علي ضغوط الأصدقاء للانتصار سريعا للفيلم، كان رده كما هي عادته معي: “شوف واحكم”.
 
خيم الظلام حالكا مع صمت، قبل أن تنطلق مشاهد “وداعا أمهات”، بعد نهاية العرض، بحثت عن المخرج محمد إسماعيل، وجدته بين أصدقاءه تبدو أولى التباشير الجميلة على محياه، فسألني عن انطباعاتي، فضحكت وخبرته أن بيننا لقاء تصوير في مدينة الدار البيضاء، ولا رأي لي أمام الأستاذ.
 
بكل صدق، فقدت السينما المغربية أستاذا كبيرا، يدير بذكاء تحركات الكاميرا، ويزرع الثقة في الممثلين سواء المخضرمين من جيل الكبار، أو النجوم أو الوجوه الجديدة التي يقدمها إلى الجمهور، لأول مرة، بعد أن يضع ثقته.
 
بعد النجاح الكبير لرائعته في الفن السابع “وبعد”، جاء “وداعا أمهات”، ولاحقا “أوشتام”، ولاحقا اضطر الصديق الكبير محمد إسماعيل لتحوير فيلمه السينمائي “الراقد” إلى فيلم تلفزيوني، لتبدأ رحلة من مرارة الإحباط سينمائيا.
 
لا يمكنني نسيان تألق رشيد الوالي ونعيمه المشرقي في “وبعد”، بينما قدم الراحل محمد مجد دورا كامل الأركان سينمائيا، بينما تفوق محمد إسماعيل على نفسه في لقطة النهاية.
 
كما قدم محمد إسماعيل مصالحة بين الجمهور المغربي وبين شمال المغرب عبر السينما، كان فخور بهذا الانتماءه الجغرافي.
 
اقترن اسم محمد إسماعيل بالنسبة لي في تتبعي للسينما المغربية بتكسير الطابوهات، ومعالجة الملفات الساخنة والمسكوت عنها، ولكن بطريقة الكبار، أي باحترام ذكاء المشاهد.
 
سيطل علينا المخرج المغربي محمد إسماعيل  من مكانه في الأعالي ليتابع ما سيقدمه الآخرون من جديد للشاشة الكبيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *