يكتب عبد المطلب إعميار السياسي والحقوقي، الذي يوصف بالمنظر الحداثي دخل حزب الأصالة والمعاصرة، سلسلة مقالات في نقد مآل فكرة ومشروع حزب خرج من رحم حركة “لكل الديمقراطيين”، من أجل مواجهة الظلام والظلامين وتقديم مشروع سياسي بديل للمغاربة، أوصى مبدع فكرة تأسيسه الراحل إدريس بنزكري، أن يكون مشروعه حداثيا ديمقراطياً، وعنواناً للمغرب الممكن، حيث لا مكان للإسلام السياسي، في ظل نظام سياسي مغربي يقوم على ثابت إمارة المؤمنين..قبل أن يزيغ الحزب عن مساره، ويسقط في حضن تحالف غير مقدس مع الحزب الأغلبي، بشكل مسخ هويته وأتى على مشروعه.. بشهادة مؤسسين قبل المنتقدين.

وتتوزع حلقات مقالات الأستاذ عبد المطلب إعميار رئيس المؤتمر الوطني الرابع لحزب الأصالة والمعاصرة، التي خص بها جريدة “le12.ma“ عربية، حول محاور، عدة لعل من أبرزها: “الأصالة والمعاصرة وأسئلة الهوية المعطوبة”.

في الجزء السادس من هذه السلسلة، يكتب أعميار: “البام”.. القطيعة الملتبسة مع أسباب التأسيس.

*عبد المطلب أعميار

 

شكل المؤتمر الوطني الرابع لحزب الأصالة والمعاصرة، إعلانا عن قطيعة ملتبسة مع أسباب التأسيس. ولأننا نسميها ب “القطيعة الملتبسة” فلأن الأمر يرجع بالأساس لطبيعة المواقف المعبر عنها عشية المؤتمر ، وما بعده، والتي تؤشر في مجملها عن ” تحول” في طبيعة تموقعه في الحقل السياسي، وفي “خطابه” السياسي  بشكل يثير العديد من الاستفهامات. وهي التحولات التي لم  يحسم المؤتمر في طبيعتها ، ولم يتداول بشأنها. اللهم ما تم الترويج له، بهذا الشكل أو ذاك، من تقارب مع حزب العدالة والتنمية، وتقديم اعتذار عن تجربة الحزب في علاقته بباقي الفرقاء السياسيين .

ولأن المؤتمر ظل بعيدا عن طرح الأسئلة السياسية الحقيقية المرتبطة بتجربة الحزب ، ولم يستثمر الصراع الداخلي الذي عاشه شهورا من قبل من أجل ترسيخ قواعد العمل الديمقراطي المبني على منطق المؤسسات، وقواعد الشرعية الديمقراطية، فلقد ظل الهاجس المتحكم في مجريات المؤتمر هو الانقلاب على بعض المواد التنظيمية في قوانين الحزب للتحكم في مؤسساته ، وتفصيل  أجهزته بأساليب غير ديمقراطية، وبدون أفق سياسي.

ولقد تناولنا في الجزء السابق بعضا من أوجه التحريفية التي لحقت الممارسة السياسية للحزب في علاقته بأدبياته التأسيسية، ومساراته السياسية، ومنطلقاته المرجعية.

وأكدنا بأن المؤتمر الوطني الرابع لم يقدم أية مراجعة سياسية بشأن تموقعه في الحقل السياسي، ولا أي شكل من أشكال النقد الذاتي عن أسباب تأسيسه و تواجده في المشهد السياسي، وبالتالي فإن الحديث عن إجراء مراجعة  في اختيارات الحزب يعد تجسيدا عمليا لهذه النزعة التي سبق لوثيقة “الانبعاث” ( يونيو2019) أن تطرقت لها.

كما أن  الترويج لإحداث “قطيعة” في مساره السياسي أو التنظيمي بعد المؤتمر، أو في اختياراته المرجعية يشكل ضربا من التضليل السياسي والإيديولوجي بعد أن تحول الحزب إلى « وكالة انتخابية » مجردة من أي مضمون سياسي ، أو عرض برنامجي. وعوض أن يبحث المؤتمر عن تأسيس شرعية الحزب في المشهد السياسي الوطني بالاستثمار الذكي في تراكماته الأدبية، ومواقفه السياسية، وتطوير عرضه السياسي، انزاح المؤتمر في اتجاه وعي زائف  بحثا عن مشروعية سياسية « جديدة » يتوهم أصحابها بأن مراجعة الموقف من قوى الإسلام السياسي، ومحاولة التطبيع مع الحزب الإسلامي الحاكم ، سيمنح الحزب “مشروعية” جديدة في المشهد السياسي تؤمن له حظوظ المشاركة في الحكومة بأي ثمن كان ، وسيخلصه من تركة ثقيلة، وسيعفيه، حسب هذا الفهم، من خوض صراعات  وصفت ب “المجانية”، وأضاعت على الحزب فرصا سياسية كبيرة حسب نفس هذا التصور.ولأن هذا الطرح يسقط  أصلا في فخ الحزب الحاكم  فإنه سينزلق لإعتبار “إمارة المؤمنين” إسلاما سياسيا ،وسيقرب الحزب عمليا  من أطروحات الإسلام السياسي، ولبعض تنظيماته التي تلتقي موضوعيا  مع هذا الطرح، كما سيورط الحزب في “نقد ذاتي” غير مؤسس يتوسل ربح  صكوك الغفران من لدن حزب العدالة والتنمية. 

عاجل. بنشماش يكتب وثيقة:”طريق الانبعاث”.. و “Le 12” تنشرها بالكامل

 إن المأزق النظري و السياسي الذي ورط الحزب في اختيار لا يستند على أي رؤية موضوعية ، أو مقاربة برغماتية  مقنعة سرعان ما سينقلب عليه ونحن نتابع ردود فعل بعض الأحزاب الوطنية التي لم تتخلف بنعته مجددا بنفس النعوت السابقة التي ظلت لصيقة به. وبالمثل، لم يتردد الحزب الإسلامي بالمطالبة مجددا بحل حزب الأصالة والمعاصرة. وهو ما يعني موضوعيا بأن الحزب لم يستطع أن ينسج  علاقة ” الثقة” مع باقي الفرقاء السياسيين ،على الرغم من الشعارات التي تم الترويج لها والتي وصلت إلى حد اعتبار الحزب الإسلامي حزبا نموذجيا وديمقراطيا، والتشكيك، في المقابل، في مسارات حزب الأصالة والمعاصرة ونعته بأقدح الأوصاف .

 ولأن المؤتمر الوطني الرابع، كما تم إخراجه والترتيب له، تأسس على وهم ” القطيعة” مع تاريخ التأسيس وسياقاته ورهاناته الكبرى بلعب ورقة التقارب مع الاسلاميين، سقط، بوعي أو بدون وعي، في مسخ المشروع السياسي للحزب  وإنهاك كل قواه في مرحلة سياسية دقيقة أفضت إلى تقويض هوية الحزب لفائدة أطروحات زائفة ساهمت في إضعاف الحزب وتصويره أمام عموم المغاربة كحزب يبحث عن مشروعية مفتقدة ، وتقديمه أمام الرأي العام حزبا ذيليا تابعا للبيجيدي.     

وهي مناسبة لكي نؤكد ، مرة أخرى، أن الأسئلة الجوهرية المرتبطة بمسار الحزب ظلت معلقة منذ إجهاض الندوة التي كانت مبرمجة شهريناير 2019 بمناسبة مرور إحدى عشرة سنة عن  تأسيس” حركة لكل الديمقراطيين”.

كما أن المشروع الطموح الذي تم الإعلان عنه  لتفعيل عشرين مبادرة رائدة في مسار الحزب مساهمة في تنزيل الأولويات المعلنة في خطاب العرش  ليوليوز 2018 لم يكتب لها النجاح.

ولأن تعطيل هذه المسارات عطل، بالنتيجة، كل الأسئلة الجوهرية المرتبطة بالمشروع السياسي للحزب، وبرهاناته الكبرى، سيتحول الحزب الى “وكالة” للانتخابات مجردة من أي  مضمون أو عرض سياسيين عشية استحقاقات انتخابية سيدخلها الحزب بدون عناوين سياسية، وبدون بوصلة ناظمة في ممارسته الحزبية.وفوق هذا وذاك، بدون أصدقاء أو حلفاء افتراضيين.

إن الأسئلة السياسية التي سبق أن طرحناها، والحالة هاته، مازالت قائمة وفي مقدمتها أي عرض سياسي يقدمه حزب الأصالة والمعاصرة اليوم، وما حجم مساهمته الفعلية  في النقاشات الوطنية التي تهم العديد من القضايا؟، والى أي حد يساهم الحزب في تشكيل معادلة التوازن السياسي المطلوب لحماية المشروع الديمقراطي، وهل مازال يشكل رافعة لدعم المصالحات التي أنجزتها بلادنا غداة العهد الجديد؟. هذه الأسئلة ستشكل محورا للحلقة القادمة، والأخيرة، من هذه السلسلة.

* رئيس المؤتمر الوطني الرابع لحزب الأصالة والمعاصرة

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *