بقلم: سيدي علي ماء العينين 

 

لا زال عالقًا في ذاكرتي، النقاش الذي أثاره الإتحاديون يوم جاء الراحل عبد الرحمان اليوسفي بنظام اللائحة من أجل تخليق الحياة السياسية.

نظام باركه الإتحاديون خدمة لمصلحة الوطن وضمانًا لتمثيلية تفسح المجال لنخب قادرة على التسيير، وإن كانت تفتقد إلى شعبية تمكنها من كسب مقاعد الفردي. 

لقد كان هناك إتحاديون يعارضون هذا التوجه، لكنهم لم يقوموا بأي سلوك خارج ضوابط العملية السياسية.

وبعد إنتهاء الإنتخابات وإحتلال الحزب للمرتبة الأولى فوجئ  بتعيين وزير الداخلية جطو وزيرًا أولا للحكومة، مكان القائد عبد الرحمان اليوسفي.

لكن الحزب، انخرط في نفس الحكومة، ليس حبا في الكراسي، ولكن ضمانًا لاستمرارية برامج الإصلاح التي أطلقت في حكومة التناوب، وكل ما قام به الإتحاد كان إصدار بيان ينتقد عدم إحترام المنهجية الديمقراطية، فيما القائد اليوسفي أعلن إعتزاله العمل السياسي، و إستمر المغرب في خوض مسارات تجربته الديمقراطية رغم كل المطبات.

كنا ساعتها نعتبر أن إنقلابا حدث ضد الحزب، و برامجه الوطنية، وممارسته للديمقراطية، لقد فقدنا قائدًا على رأس الحزب، وفقدنا قبله، جناحنا النقابي، والشبيبي، و قيادات كثيرة محليا وجهويا، إنكمشت و ”علقات الصباط”، وفقدنا مراكز ومدن و مقاعد وبدأ مسلسل التراجعات في المكاسب الحزبية.

كان هذا سلوكنا، وكان هذا تقديرنا للمرحلة، انقذنا المغرب من السكتة القلبية، وأصابتنا نوبة غيبوبة جعلت الجيل الجديد ينهش في لحمنا، ويعلن وفاتنا ونحن لازال فينا نبض الحياة.

في دول الجوار، في الجزائر في بداية التسعينات لم يقبل العسكر بنتائج إنتخابات ربحها الإسلاميون، و كان رد فعلهم آنذاك، تجاهل مؤسسات التحكيم، وإدخال البلاد في حرب إبادة جماعية من الإقتتال والدمار لم تشفى الجزائر منها إلى اليوم.

وهناك في الأراضي الفلسطينية، فازت حماس الإسلامية بالإنتخابات، ورفضت الدول الداعمة التعامل معها، فتأزم  الفلسطينيون، ليضطروا إلى إعادة الإنتخابات، لكن ردة فعل حماس كانت قوية، و كسرت شوكة وحدة الموقف الفلسطيني، بأن إستقلت بنفسها دولة وسط دولة بقطاع غزة إلى اليوم، ودخلت في إقتتال فلسطيني /فلسطيني طال أمده.

وبمصر وبعد ثورة إزاحت حسني مبارك بإسم الربيع العربي، وقيادة الإخوان المسلمين للحكم، وما نتج عن ذلك من معاكسة العسكر لسياستهم بعد أن تم الشروع في إنقلاب بالإدارات والمؤسسات لتثبيت الإخوان على حساب أبناء الشعب.

خرج أربعون مليون مصري ليقوموا بإستعادة ثورتهم ” المسلوبة”، وكان لهم ذلك، لكن ردة فعل الإخوان كانت إنشاء منصة ”رابعة العدوية” و التي تناوب فيها المشايخ في إعلان دولة الخلافة في مصر، وتكفير أربعين مليون مصري.

تدخل الجيش، وكانت المجزرة، و  المحاكمات والإعدامات، ليعود الجيش إلى موقعه القديم أقوى وأشرس.

في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الإنتخابات  الأخيرة، تم إعتماد نظام التصويت بالمراسلة، وهو الذي غير خريطة التصويت لصالح الرئيس بايدن على حساب ترامب، حيث حصلا معا على مجموع أصوات لك يحصل عليها أي مرشح من كلا الحزبين في كل الرئاسيات السابقة، لينجح بايدن، لكن ردة فعل ترامب كانت بمحاولة إقتحام الكونجريس وإثارة الفوضى والشعب، كانت ستنتهي بالحكم عليه.

في المغرب، في 2011، أحس أبناء حركة 20 فبراير أن ما زرعته حركتهم حصده حزب قاطع الحركة، و استفاد من أجواء الربيع العربي بهيمنة التوجه الإسلامي، وصعود حزب العدالة والتنمية بفوز زكته الدولة، كما حصل مع الإتحاد الإشتراكي في 1997، حين قاد حكومة التناوب.

اليوم ، هناك تعديلات إنتخابية يصعب تقديم دفوعا، و يبقى اهمها القاسم الإنتخابي، و إلغاء العتبة في المحليات.

الإسلاميون كرد فعل، قالوا إنهم المستهدفون، رغم أن حزب الأصالة و المعاصرة معني، لكن مبررهم أن حزب الجرار حزب الدولة، ليكون السؤال الصعب، إذا كان الأمر كذلك، فأين نصنف حزب العدالة والتنمية الذي قاد الدولة لعشر سنوات؟.

ردة فعل العدالة والتنمية، كانت في بدايتها الدفع ببعض ”صقورها” إلى “التهديد ” بمقاطعة الإنتخابات المقبلة، قبل التصويت على القوانين في لجنة التشريعات، وبعد إحالتها على البرلمان جاءت ردة فعل، حين إقتحم البرلمانيون جلسة البرلمان ضدا على ما صادقوا عليه من قوانين بإعتماد التمثيلية لتفادي التجمع بسبب كورونا.

 لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تقدموا بمذكرة تعتبر إعتماد القاسم الإنتخابي الجديد مناقضا للدستور، في استعداد لردة فعل أقوى وهي اللجوء إلى المحكمة الدستورية.

ليس تحاملًا القول إن الإنزال في  البرلمان و القيام بردة الفعل هذه ة، هو سلوك الأحزاب الإسلامية كما عرضنا تجاربها في هذا المقال.

لكن المخيف في ما حدث، هو أن العدالة والتنمية، حتى إذا ضمن المرتبة الأولى في الإنتخابات المقبلة، وهذا من حقه، مثل ما حدث مع إعتماد الإتحاد الإشتراكي لنظام اللائحة حصل على المرتبة الأولى، رغم تخوفه منها، فإن العدالة والتنمية وضع نفسه من الآن في عزلة تحالفية مع كل الفرقاء.

وضع سيعرض المغرب لا قدر الله لأزمة سياسية إذا رفضت كل الأحزاب التحالف مع البيجيدي لاحقا، علمًا أن الدستور  يجعل الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب الأول.

لذلك فما حدث الجمعة لم ينتهي بل لقد بدء  وستكون له تبعات حتى على الحكومة الحالية، التي فقدت أغلبيتها رسمياً.

وإذا ما دفعت الأمانة العامة و المجلس الوطني الإستثنائي ومن خلفهما حركة التوحيد و الإصلاح، رئيس الحكومة إلى تقديم استقالته، أو حتى إنسحاب الحزب  من البرلمان، فهذا معناه ان الحزب يتجه إلى خلق غزة جديدة و رابعة العدوية جديدة.

لذلك فكلمة بوانو في جلسة الجمعة بعد المصادقة على القانون، كان فيها تدارك لإحتمال الوقوع في عزلة سياسية، وكان فيها غمز وهمز يفتح المشهد السياسي على كل الاحتمالات، حتى ان سعد  الدين العثماني غرد  بعد دقيقة من مصادقة البرلمان، على تويثر  والجلسة لازالت مستمرة معيدًا نشر فقرة بلاغ الأمانة العامة، تزعم أن ما “حدث هو خروج عن المسار الديموقراطي”.

ولا داعي للحديث عن حجم التهجم على الدولة والمؤسسات و الأحزاب من طرف حسابات بشبكات التواصل الإجتماعي، التي تعطي الانطباع أنها أمام قوم غلبتهم نعرة الحزبية، واعمتهم حماستهم، و أعلنوا نهاية العالم. 

إن ردود الفعل لا تصنع الموقف، لكن الموقف هو القبول بقواعد العملية الديموقراطية التي تجعل المغاربة يصوتون، ولا تحصل حتى على ثلث أصواتهم، لكنك أن تكون الأول بمنطق العملية، فذلك لايعني بكل تأكيد أنك كل المغاربة، ولا كل المصوتين،  وهنا مربط الفرس، فهل تعتبرون؟.

* فاعل سياسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *