رشيد نيني

في الحقيقة آخر ما يشغل بال المغاربة اليوم هو طلب إعفاء الرميد وزير حقوق الإنسان من الحكومة أو تراجعه عن ذلك، أو استقالة الأزمي عمدة فاس من الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية وترضيته من طرف إخوانه لكي يتراجع ويبقى معهم.

ما يشغل بال المغاربة اليوم هو تأمين خبزهم اليومي وإنقاذ مناصب شغلهم والوصول إلى نهاية الشهر سالمين.

ما يهمهم هو حصولهم على اللقاح ضد الفيروس الذي يرعب العالم والعودة لحياتهم الطبيعية والحصول على إمكانية التنقل والسفر بين المدن.

أما استقالات السياسيين فيجب أن تصبح شيئا عاديا لا يثير الانتباه. والواقع أنه لا يسعنا سوى أن نتمنى لوزير حقوق الإنسان الشفاء العاجل وأن يرزقه الله القوة والصبر لاجتياز هذه المحنة، ولن نحاسبه اليوم كما يصنع البعض ممن ظلت أفواههم مغلقة طيلة عشر سنوات من توليه الوزارة وعندما بلغها أن الوزير مريض شربت حليب السباع وانبرت تهاجمه، فنحن تصدينا للوزير الرميد في عز جبروته وسطوته ودفعنا الثمن في المحاكم، أما الآن فلا يسعنا سوى أن ندعو له بالشفاء. فنحن لم يكن لنا قط مشكل مع الرميد كإنسان بل مع الرميد كوزير يتقاضى مرتبه من أموال دافعي الضرائب ويسير الشأن العام.

ولو أنه كان أجدر به لو قدم طلب إعفائه قبل سنة عندما انفجرت فضيحة عدم تسجيل مكتب محاماته لمستخدمة في صندوق الضمان الاجتماعي والتي ماتت بسبب معاناتها مع المرض. لكن وكما قال تعالى “وعند ربكم تختصمون”.

ما يحدث من غليان داخل حزب العدالة والتنمية له سبب واحد يتعلق بالخوف الكبير الذي انتاب قيادته بسبب مشروع القوانين الانتخابية التي تدعمها كل الأحزاب عدا الحزب الحاكم. وكما في كل مرة فالأدوار موزعة بإحكام بينهم، فهناك من يكوي وهناك من يبخ، هناك من يلعب دور المحقق القبيح وهناك من يلعب دور المحقق الطيب تماما مثلما يحدث في الأفلام. 

هنا تفهم موقف وزير حقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان الذي عمم مستشاره طلب إعفائه على مواقع التواصل قبل أن يصل إلى الديوان الملكي، قبل أن يخبرنا وزير “النشاط” السابق يتيم أن الرميد تراجع عن طلب إعفائه بعد نجاح العملية الجراحية التي خضع لها، وهكذا ينطبق على الرميد المثل المغربي الذي يقول “غضبان وينش على كبالتو”.

مصطفى الرميد مريض بالفعل، لكن طلبه الإعفاء من منصبه لم يكن بسبب المرض وإنما بسبب إقصائه من أجندة الدورة الاستثنائية المخصصة للقوانين الانتخابية.

الرميد فهم أن الحاجة إليه انتفت، وأن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني أصبح يكتفي بوزير الداخلية والأمين العام للحكومة محمد الحجوي.

ويبدو أن الطريق نحو التصويت على القوانين الانتخابية التي تقدم بها الثلاثي المعارض: الاستقلال والأصالة والمعاصرة والتقدم الاشتركية، أصبحت سالكة بعد برمجة جلسة التصويت على التعديلات على القوانين الخلافية ليومي الأربعاء والخميس المقبلين، حيث من المرتقب أن تمر هذه القوانين بالتصويت بالأغلبية لفائدتها، وهو ما جعل مصطفى الرميد يقتنع بأن مدة صلاحيته شارفت على الانتهاء.

لماذا يخاف الحزب الحاكم من مشروع القوانين الانتخابية؟

في البدء حاول الحزب تصوير الأمر كما لو أن الدولة عبر وزارة الداخلية هي التي تقف وراء هذا المشروع، لكن اليوم بعد تقديم التعديلات من طرف أحزاب سياسية معارضة وجد الحزب الحاكم نفسه محاصرا، بحيث لن يستطيع أن يتهم حزب الاستقلال أو التقدم والاشتراكية بالتآمر عليه.

والواقع أن هناك خمس نقط هي مصدر كل المخاوف بالنسبة للحزب، هناك أولا القاسم الانتخابي الذي سيكلف الحزب ضياع 25 مقعدا برلمانيا كان ينالها دون وجه حق.

القاسم الانتخابي هو احتساب المقاعد الانتخابية حسب عدد المقيدين في اللوائح، بمعنى من يتغيب من المسجلين عن التصويت فصوته يحتسب ضمن النتائج النهائية للاقتراع التي سينجم عنها تشكيل الحكومة والأغلبية.

ثانيا هناك لوائح الشباب التي تم إلغاؤها والتي كانت تشكل جيشا برلمانيا احتياطيا لحزب العدالة والتنمية بحكم أنه كان أكبر مستفيد من هذه اللوائح، وفقدانه لهذه اللوائح ستتم ترجمته بفقدان الحزب لحوالي 15 مقعدا في اللائحة الوطنية.

ثالثا هناك العتبة التي تم إلغاؤها والتي كانت تمنح لحزب العدالة والتنمية المقاعد الثانية في اللوائح المحلية، حيث إن العشرات من الدوائر المحلية عرفت نجاح أكثر من مرشح باسم حزب العدالة والتنمية بسبب عدم بلوغ منافسيه للعتبة التي كانت محددة في 3 بالمائة من الأصوات المعبر عنها. العتبة وحدها كانت تمنح الحزب الحاكم 8 بالمائة من مقاعد البرلمان.

رابعا هناك القانون المرتبط بتمثيلية الباطرونا داخل البرلمان الوارد في القانون التنظيمي لانتخاب أعضاء مجلس المستشارين والذي خلق رجة داخل حزب العدالة والتنمية خصوصا ذراع رجال الأعمال التابع للحزب. فعلى ماذا ينص هذا القانون؟

ينص القانون على الحرمان من منح التزكية الحزبية لتمثيل الباطرونا، وأن هاته الأخيرة هي السلطة المخولة بانتقاء ممثليها داخل المؤسسة التشريعية، وما يخيف حزب العدالة والتنمية هو تحول اتحاد مقاولات المغرب إلى منظمة وحيدة لتمثيل رجال الأعمال مما سيحرم تنظيم رجال الأعمال التابع للحزب من التمثيل داخل المؤسسة التشريعية.

خامسا هناك نقطة ترعب الحزب داخل هذه القوانين الانتخابية وهي حالة التنافي التي تمنع عمداء المدن من حمل الصفة البرلمانية، مما يهدد الحزب بفقدانه لعمودية كبريات المدن المغربية.

سادسا هناك نقطة في مشروع القوانين الانتخابية يعارضها حزب العدالة والتنمية وهي التصويت في يوم واحد للانتخابات التشريعية والمحلية، فالحزب يبرر معارضته لهذه النقطة بالصعوبات اللوجيستيكية والتدبيرية لكن الحقيقة أنه يخشى وضع بيض مرشحيه كاملا في سلة واحدة مما قد يكلفه خسارة مزدوجة محليا ووطنيا، لأن من يصوت لصالح حزب معين في الاقتراع يصوت أوتوماتيكيا لعضوية البرلمان والجماعات والجهات واللوائح. يعني أن من سيربح سيربحها كاملة ومن يخسر سيخسرها كاملة.

هذه إذن هي الأورام الحقيقية التي يشكو منها حزب العدالة والتنمية، أما ما نراه من استقالات وهجومات على وزارة الداخلية وكلام غليظ حول عودة الربيع العربي وتلويح بتهديد استقرار الوطن كما قال النائب الحيا في البرلمان أثناء المناقشة التفصيلية للقوانين الانتخابية، فليست سوى الحمى التي أصابت الحزب إلى درجة جعلت قياداته تدخل في هذيان مرضي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *