عبد اللطيف الجعفري

في زاوية بأحد شواطئ الدار البيضاء ، يواظب (أحمد)، على معانقة قصبته، متأبطا عزمه وصبره، في رحلات يومية، تقربه أكثر من عوالم البحر وأسراره ، قبل أن تعكر صفو حياته الجائحة، وتصادر حقه في العيش من خيرات البحر خاصة خلال فترة الحجر الصحي .

ممارسة الصيد بالقصبة أو الصنارة، مهنة قديمة جدا، تنطوي على معرفة خاصة بأسرار البحر، وتجارب متفردة لها صلة بمعدات الصيد وكيفية استعمالها بشكل جيد، وهي خبرات يتقنها ( أحمد) لأنه خلق ألفة غريبة مع الصنارة وعشقها منذ سنوات طوال، كوسيلة للتغلب على بعض تكاليف الحياة ، حتى أصبح يلقب بـ”الحوات” في الحي الذي يقطنه بالمدينة القديمة للدار البيضاء.

حين حلت الجائحة ضيفا ثقيلا على (أحمد) كغيره من الناس، وجد نفسه في وضع حياتي صعب، لا يعرف ما يقدم ولا يؤخر، حيث لزم منزله الصغير بالمدينة القديمة، امتثالا للتدابير المتخذة الرامية إلى كسر شوكة الجائحة، لكن مع ذلك لم يتحمل الابتعاد عن عوالم البحر، حيث الاشتياق للأسماك الطرية، ولأجواء البحر وأصوات أمواجه، كما أسر بذلك لوكالة المغرب العربي للأنباء.

فحياة الصيد بالصنارة، كما قال، هي تجارب تميل أكثر للعزلة والهدوء والتركيز، لكنها مليئة بالمغامرات والحكايات الطريفة التي يتذكرها هذا الصياد عن ظهر قلب، من بينها، تناثر أمواج البحر أمامه على بغتة ، في يوم من الأيام ، ضمن هجوم شرس عليه، بشكل أعاد سحب الأسماك التي اصطادها إلى عمق البحر.

ومن بين هذه الحكايات أيضا، فرحه الذي تحول فجأة إلى خيبة أمل، في يوم آخر، حين شعر باهتزاز كبير على مستوى القصبة، واعتقد في البداية أن الأمر بصيد ثمين عبارة عن سمكة كبيرة، وحين استكمل عملية سحب الصنارة تفاجأ بوجود كيس أسود مليء بالماء عالق بالصنارة، وهو ما جعله ينخرط في ضحك هستيري على نفسه.

وبالعودة إلى بعض محطات التاريخ الاجتماعي للمغرب، يتضح أن الصيد بالصنارة، جرى ممارسته من قبل بعض الساكنة التي تقطن جنبات الشواطئ والوديان، لغرض المتعة تارة، والعيش تارة أخرى. وبما أن (أحمد) يعاني من ضيق ذات اليد، فقد اختار العيش بالأسماك ومعها ضمن هواية تحولت عبر الزمن إلى حرفة.

حال( أحمد) يشبه حال عدد كبير من مرتادي البحر، الباحثين عن حياة مغايرة، تتوزع تارة بين المتعة وقضاء بعض الوقت جنب البحر، وتارة أخرى صيد بعض الأسماك لمواجهة تكاليف الحياة.

ويعتبر هذا الصياد، أن استعمال القصبة أو الصنارة في الصيد، ينطوي على كثير من الدلالات التي لها صلة بالحياة الشخصية لكل إنسان وميوله، بيد أن القاسم المشترك فيها هو أنها تعلم الصبر في أبهى معانيه، بل تساهم في ممارسة الكتارسيس (الراحة النفسية)، وذلك من أجل التخلص من ضغوطات الحياة اليومية.

ولا يخفي (أحمد) أن البحر يكون في الغالب سخيا معه، لكن ذلك يتطلب منه معرفة أسرار البحر وأوقات الصيد وأمكنته، وكيفية نصب الطعم على مستوى القصبة، بل حتى نوعية الطعم الذي يجذب الأسماك ، لافتا إلى أن التدقيق في هذه الجزئيات مهم للغاية.

وأضاف أن المعدات المستعملة في عملية الصيد تطورت كثيرا، موضحا على سبيل المثال لا الحصر، أن القصبة المستعملة سابقا كانت بسيطة جدا ، أما حاليا فقد خضعت لتحسينات عديدة جعلتها أكثر نجاعة.

وحسب كتب التاريخ، فإن هذا النوع من الصيد هو من المهن التي زاولها الإنسان منذ أقدم العصور، لذلك فقد كتب عنه الشيء الكثير، وهو ما يبرز مكانته ضمن مختلف الأنشطة البشرية، بل أكثر من ذلك أصبح لمعدات الصيد أجنحة خاصة في بعض مراكز التسوق المتخصصة.

ذلك أن ممارسة هذه الهواية، التي عشقها العديد من الناس وخبروا عوالمها منذ سنوات طوال، تشكل مجالات لمراكمة ممارسات وتجارب في التعاطي مع عوالم البحر وهدوئه، وصخب أمواجه، وكرمه أحيانا ، وشح عطائه أحيانا أخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *