رشيد نيني

 

سواء تعلق الأمر بصاحبة روتيني اليومي التي تلقت على المباشر لطمة من زوجها وانتهت في السجن بعدما شتمت باشا، والتي طلع أبناؤها في اليوتوب يتوسلون من أجل إطلاق سراح أمهم، أو تعلق الأمر بخطيبة المحامي التي رفعت ضده دعوى إثبات النسب لابنتها التي تقول إنها من صلبه، فإن الضحايا هم دائما الأطفال الأبرياء، والذين ينتهون عندما يصبحون يافعين في الشوارع يرشقون الحافلات بالحجارة ويتباهون بإشهار السيوف في الفصول الدراسية ويصبحون ضيوفا على السجون.

هناك اليوم انحراف خطير يتهدد الأسرة المغربية، التي هي النواة الصلبة للمجتمع، وهنا يظهر الدور الأساسي للأب في التربية، وهناك باحثون يشيرون إلى أن ظاهرة انتشار العنف والفشل الدراسي والعقد النفسية بين الأطفال تعود إلى غياب الأب وإهمال الأم.

إن ما نراه من سقوط أخلاقي على منصات التواصل الاجتماعي من يوتيوب وإنستغرام وتيك توك وغيره حيث يقضي المراهقون والشباب سحابة نهارهم في إنتاج واستهلاك السخافة والابتذال والبذاءة هو نتيجة مباشرة للتفسخ الأسري الذي تسببت فيه عدة عوامل، أهمها تخلي مؤسسة الأم عن دورها الجوهري في تربية الأبناء، وبدرجة ثانية غياب الأب كسلطة وكحضور داخل البيت.

لذلك تبقى المعطيات التي سبق أن كشف عنها تقرير للمندوبية السامية للتخطيط بخصوص الشباب المغربي والشغل خطيرة للغاية، فأكثر من مليون ونصف مليون شاب تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 سنة بدون تعليم وبدون شغل، أي أنهم عالة على أسرهم وعلى المجتمع، ونظرا لكون هذه الفئة من المواطنين تنتمي في غالبيتها الساحقة للطبقات الهشة، فإن لنا أن نفهم بوضوح، بعيدا عن إنشائيات البرامج الحكومية السابقة، مصدر انتشار مظاهر التشرميل والشغب الجماعي، فضلا عن تنامي استقطاب العصابات والمنظمات الإرهابية للشباب المغربي.

سنكون أمام شباب غير متعلم لا يملك بين يديه مهنة أو حرفة، وليس له دخل يعيش به، أي شباب بدون أمل، لذلك سيسارع إلى بناء أمل وهمي إما عبر المخدرات أو عبر أفكار التطرف التي توهمه بآمال أخروية تتحقق بقتل الآخرين، “الكفار” في نظره، أي أنه سيصبح لقمةسائغة للانتحار بكل أشكاله.

إن كل مراهق فشلنا كأسرة وكحكومة وكدولة في تعليمه أو تكوينه، يعني أننا سنكون مضطرين لتوظيف شرطة لمطاردته وسجانين لحراسته، ولنا أن نتصور التكلفة، فحسب آخر إحصاء قام به المجلس الأعلى للتعليم، في تقييمه لفترة عشرية الإصلاح فإن تكلفة التلميذ المغربي لا تتعدى 12 ألف درهم في السنة، إذن لنا أن نتصور تكلفة هذا التلميذ عندما ينقطع عن الدراسة ويصبح عالة على مجتمعه، بل عندما يصبح مصدر خطر محدق به، إذ سنضطر إلى رفع ميزانية الأجهزة الأمنية لمراقبة سلوكه، الواقعي والافتراضي، كما أن الحياة الاعتيادية للناس ستتأثر بسبب تجنبهم المرور أو الجلوس في أماكن عامة خوفا من السرقة أو الاغتصاب.

لدينا حوالي 3 ملايين طفل انقطعوا نهائيا عن الدراسة في السنوات العشر الماضية، وحتى عندما يتم استقطابهم مرة أخرى للعودة إلى الفصول الدراسية، عبر ما يسمى بالتربية غير النظامية، فإن 64 في المائة منهم يعودون إلى الشارع ولا يتوفقون في إتمام دراستهم.

وهؤلاء المراهقون هم الذين يتحولون إلى جانحين يتربصون في الشارع بالمواطنين لسلبهم ممتلكاتهم، وهؤلاء هم الذين يحدثون الشغب في الأحياء، ويرشقون الحافلات بالحجارة.

وهم في النهاية ضحايا لأسر متفسخة فاقدة للقيم، كل ما يعرفون القيام به هو تدمير ذواتهم وتدمير كل ما يحيط بهم. فحذار من هذه الأجيال القادمة التي نراها تتشكل أمامنا، فالمجتمعات التي تفكر بالمستقبل تعطي أهمية قصوى لأطفال ومراهقي اليوم، لأنهم ببساطة رجال ونساء الغد.

 

*كاتب/صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *