يكتب عبد المطلب إعميار السياسي والحقوقي، الذي يوصف بالمنظر الحداثي دخل حزب الأصالة والمعاصرة، سلسلة مقالات في نقد مآل فكرة ومشروع حزب خرج من رحم حركة “لكل الديمقراطيين”، من أجل مواجهة الظلام والظلامين وتقديم مشروع سياسي بديل للمغاربة، أوصى مبدع فكرة تأسيسه الراحل إدريس بنزكري، أن يكون مشروعه حداثيا ديمقراطياً، وعنواناً للمغرب الممكن، حيث لا مكان للإسلام السياسي، في ظل نظام سياسي مغربي يقوم على ثابت إمارة المؤمنين..قبل أن يزيغ الحزب عن مساره، ويسقط في حضن تحالف غير مقدس مع الحزب الأغلبي، بشكل مسخ هويته وأتى على مشروعه.. بشهادة مؤسسين قبل المنتقدين.
وتتوزع حلقات مقالات الأستاذ عبد المطلب إعميار ، التي خص بها جريدة le12.ma عربية، حول محاور، عدة لعل من أبرزها: “الأصالة والمعاصرة وأسئلة الهوية المعطوبة” .
في الحلقة الثانية من هذه السلسلة، يكتب أعميار عن” مؤتمر بدون بوصلة سياسية”
*عبد المطلب أعميار
سنة بعد المؤتمر الوطني الرابع لحزب الأصالة والمعاصرة تكون الكتابة عن النتائج السياسية المترتبة عن المؤتمر إحدى الإجابات الموضوعية عن الأسئلة التي سبق أن طرحناها في الجزء الأول من هذه السلسلة (هل ما زالت الحاجة لحزب الأصالة والمعاصرة اليوم، وبأي ثمن، وبأي معنى، ولأية رهانات؟ وهل انتهت صلاحية الشعارات التي أسس من أجلها، وأعلنها في المشهد العام دفاعا عن علة وجوده..؟).
وحري بالذكر أن السياق الذي انعقد فيه المؤتمر كاف لوحده لشرح مسببات الإخفاقات السياسية التي يحصدها الحزب اليوم، كما أن الشروط العامة التي تحكمت في نتائجه (قبل وبعد المؤتمر) تفسر مستوى التراجعات والانحرافات التي يعرفها، كما يفسر طبيعة ” التحالف” المتحكم في توجيه وإدارة حزب أراد مؤسسوه أن يكون رافعة لدعم المشروع الحداثي الديمقراطي، وأداة لحماية الاختيار الديمقراطي.
غير أن النزعة التحريفية التي لحقت بالحزب لا تفسر فقط الفشل السياسي والتنظيمي للمؤتمر الوطني الرابع ، بل تفسر أيضا فشل المؤتمر في تحديد الخارطة السياسية المرحلية، وحسم الاختيارات والمقررات الموجهة للممارسة الحزبية ما بين مؤتمرين.
ويكفي أن نذكر بأن الأغلبية الساحقة من المشاركات والمشاركين في المؤتمر لم تناقش الوثيقة السياسية المعروضة على أنظاره، وأن فئة قليلة من المؤتمرات والمؤتمرين هي التي ساهمت في الورشة المخصصة للتداول في القضايا والأسئلة التي تضمنتها الأرضية السياسية.
ولعل من المفارقات الغريبة التي سيعيشها الحزب، هو مصادقة الجلسة العامة على الوثيقة السياسية المعروضة على أنظار المؤتمر، فيما ستذهب ” القيادة” الجديدة في تصريف العديد من المواقف المعاكسة لمضامين وتوجهات الأرضية السياسية، ومنها – تحديدا- العلاقة بقوى الإسلام السياسي، ومسألة التقاطبات والتحالفات السياسية.
ولأننا نحتاج للتدليل على هذا الأمر، فإننا سنتوقف للتذكير ببعض القضايا والأسئلة ذات الصلة بالموضوع.
وفي هذا الصدد، أود التذكير بأن النزعة التحريفية التي ستلحق الحزب ابتدأت فصولها شهورا قبل انعقاد المؤتمر الوطني الرابع.
ونذكر في هذا الصدد بأن إجهاض الندوة التي كانت مبرمجة خلال شهر يناير 2019 بمناسبة مرور إحدى عشرة سنة عن تأسيس ” حركة لكل الديمقراطيين” تفسر إلى حد بعيد بروز توجه محافظ داخل الحزب أزعجته الأسئلة المؤطرة للندوة والتي تطلعت للإجابة عن العديد من الأسئلة من قبيل.
– ما هو حجم التأثير الذي استطاعت الحركة أن تحققه على مستوى تجاوز نسق الممارسة السياسية المرتبطة بسنوات الصراع على السلطة والقمع السياسي، المتسمة بعلاقات التبعية المستكينة أو التجاذب العنيف بين الملكية والأحزاب؟.
وهل استطاعت “إحداث قطيعة مع واقع السلبية واللامبالاة، وخلق الشروط الضرورية لاسترجاع الثقة في نبل العمل السياسي…؟. وما هو المجهود المبذول من طرف الحركة من أجل إنضاج بلورة نموذج تنموي ملائم يضع في المقام الأول إنتاج الثروة وتوزيعها ارتكازا على الاستحقاق والجهد المبذول، والقطع مع سياسات الريع والتبذير، والحد من الفوارق بين المدينة والبادية وإرساء مبدأ التضامن لصالح الفئات الأكثر هشاشة؟.
وما هو حجم التأثير المسجل في مجال الارتقاء بالتجربة الانتخابية من زاوية تجويد اختيار ممثلي السكان وتجويد الأداء وتجاوز منطق الزبونية والتزكيات المبنية على تبادل المنافع كشكل من أشكال الفساد، عوض خدمة البرامج الانتخابية محليا ووطنيا، وما هو حجم التأثير المسجل على مستوى استعادة الثقة في المؤسسات والعمل الحزبي والسياسي باعتبارهما شرطين أساسين لنظام سياسي ديمقراطي أو طامح لتأسيس مؤسسات ديمقراطية ذات مصداقية….
وطبعا، لن نحتاج اليوم للتذكير بأن الجهات التي عرقلت تنظيم هذه الندوة الهامة، هي نفسها التي ساهمت في عرقلة العشرين مبادرة التي أطلقها الحزب ” من أجل المساهمة في الأجرأة’ الآنية للأولويات المعلنة في خطاب العرش ل 29 يوليوز 2018. وهي عينها التي عرقلت مسار “طريق الانبعاث” الذي توقف عند العديد من مظاهر” النزعة التحريفية” التي لحقت الحزب، والتي سيشكل المؤتمر الوطني الرابع إحدى تمظهراتها البارزة.
عاجل. بنشماش يكتب وثيقة:”طريق الانبعاث”.. و “Le 12” تنشرها بالكامل
ولعل الكلمة التي ألقاها الأمين العام السابق السيد حكيم بنشماش خلال الجلسة الافتتاحية، عند رصده العديد من مظاهر التحريفية التي التصقت بالحزب، ستشهد ( للتاريخ) بأن المؤتمر نفسه سيشكل إحدى التمظهرات البارزة لفصول هذه النزعة الهيمنية.
وإذا كان المؤتمر لم يتداول بشأن أي شكل من أشكال القطيعة مع مختلف المحطات والمواقف السياسية التي عبر عنها الحزب منذ تأسيسه، ولم يقدم أي نقد ذاتي عن ممارسته الحزبية، ولا أي اعتذار لأي طرف كان، فإن الوثيقة السياسية التي صادق عليها المؤتمر( عكس التوجه الذي ستبصم عليه “القيادة” الجديدة)، أقرت بشكل واضح استمرارية المشروع السياسي للحزب وفق منطلقات و سيرورة التأسيس، ابتداء من وثيقة مبادئ وتوجهات،”مرورا بوثيقة ” أهداف وأولويات” وقوفا عند وثيقة ” الديمقراطية الاجتماعية ورهانات التحديث والدمقرطة والتنمية”، التي عملت على التأصيل النظري والمرجعي للحزب، وصولا للوثيقة الجديدة المعروضة على أنظار المؤتمر، والتي أقرت بشكل واضح بأن حزب الأصالة والمعاصرة ” لا زال وفيا لمنطلقات النشأة التي جعلته إفرازا سياسيا لمسلسل المصالحات التي عرفها المغرب في بداية الألفية الثالثة، وتفاعلا إراديا واعيا مع ضرورة خلق دينامية سياسية مواكبة لمتطلبات الإصلاحات الهيكلية التي أقدم عليها العهد الجديد، ومع مطلب التحديث الذي تتطلع إليه قوى الصف الديمقراطي في البلاد، ومع ضرورة تحصين الاختيارات الديمقراطية وتدعيمها بالإصلاحات الدستورية والمؤسساتية اللازمة..”.
وردا على المغالطات الإيديولوجية، التي تم الترويج لها غداة المؤتمر، وما بعده، بخصوص ما سمي بالمصالحة مع قوى الإسلام السياسي، نحيل، في هذا الصدد، لما تضمنته الوثيقة السياسية للمؤتمر، بتأكيدها الواضح على ” التزام مناضلات ومناضلي حزب الأصالة والمعاصرة بهوية الحزب المنتصرة للمشروع الحداثي الديمقراطي والمناهضة لقوى الفساد والتيارات السياسية والإيديولوجية المعادية للتقدم والحداثة”.
أما الترويج لمغالطة “القطيعة” مع نشأة الحزب فيكفي أن نشير بأن الوثيقة التي صادق عليها المؤتمر ( لمن لم يطلع عليها، أو لمن يتعمد تحريفها) تشير بأن ” الهوية المرجعية لحزب الأصالة والمعاصرة باعتباره حزبا يستند على أطروحة الديمقراطية الاجتماعية، بما تعنيه من قيم ثقافية وحقوقية ومجتمعية، وباعتباره سليل مسارات المصالحة والعدالة الانتقالية، وحاملا لمشروع مجتمعي قائم على قيم ” تامغرابيت” الأصيلة، ينتصر لكل القيم الديمقراطية والتحديثية،على النقيض من المشاريع الإيديولوجية الدعوية المستوردة والحاملة لتهديدات جدية لقيم المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي من جهة، ولتنوعنا الثقافي ومبادىء إسلامنا المغربي السمح ولمختلف مؤسساتنا الدستورية والسياسية من جهة أخرى..”.
إن هذه الإحالات المرجعية بقدر ما تؤكد بأن الوثيقة السياسية التي صادق عليها المؤتمر تشكل ترجمة فكرية وسياسية لمنطق الاستمرارية في مسار الحزب، والقائمة على مبدأ التراكم والترصيد الايجابيين، بقدر ما تؤكد بأن النتائج التنظيمية والسياسية للمؤتمر، وما تم التعبير عنه من مواقف في مناسبات عديدة، يبرهن بأن المؤتمر الوطني الرابع، كان مفتقدا للبوصلة السياسية الناظمة للممارسة الحزبية، وسيؤشر على مفارقة صارخة بين ما تم إقراره كمنطلقات سياسية حسمها المؤتمر بالمصادقة على الأرضية السياسية، وبين ما تم “طبخه” من مقررات تنظيمية. وهو ما سيشكل محورا للحلقة القادمة.
*قيادي في حزب الأصالة والمعاصرة