بقلم: ذ. خديجة الكور
رغم أن العلاقة بين الشباب والسياسة لا تنحصر في بعدها الانتخابي أو الحزبي، بل هي أشمل من ذلك حينما تتجه إلى تجليات الوعي السياسي لدى الشباب، والقدرة على المشاركة السياسية ضمن الفضاء العام، وكل أشكال التنشئة السياسية والتأطير الممكن لهذه الفئة الحيوية. لكن النقاش حول إلغاء اللائحة الوطنية يفرض نفسه بقوة في المشهد السياسي، خصوصا على منصات التواصل الاجتماعي، بين مؤيد لهذا الإلغاء باعتباره ريعا سياسيا يتنافى مع الأخلاق السياسية، ومنتقد بمبررات واقعية تعتبر فعل الإلغاء سيكون له عواقب وخيمة على المشاركة السياسية، وسيعمق العزوف السياسي للشباب.
وجراء الموقفين تتوالى استقالة عدد من الشباب من أحزابهم، وتطالب الشبيبات الحزبية الدولة بفتح حوار معها حول الموضوع.
وإذا كان هذا النقاش صحيا في العمق إلا أنه لا يجب أن يختزل في نقاشات جانبية تختزل هذا الفعل في بعد براغماتي بين من استفاد ومن لم يستفيد، لأن المسألة أعمق من ذلك، وتحتاج إلى وقفة تأملية مع الذات، تقارب الموضوع من جوانب عدة وأكثر شمولية.
في اعتقادنا، إن العيب لم يكن في اللائحة في حد ذاتها، كآلية مؤقتة لتجاوز ضعف انخراط الشباب في العمل الحزبي والنقابي، الذي لا يتعدى 1% ، وإعادة ثقتهم في نبل العمل السياسي، بل في الطريقة التي دبرت بها، و التي لم تخضع في الغالب الأعم لمعيار الكفاءة و الاستحقاق و التدرج في المسؤولية الحزبية؛ إننا نكاد نجزم أن المسألة مرتبطة بأزمة حكامة سياسية، أكثر من أن توضع في خانة الريع السياسي.
كما أن جل الأحزاب المغربية لم تنجح بالشكل الكافي أن تجعل من الشبيبات الحزبية فضاءات للتنشئة والتثقيف السياسي، بما يضمن إنتاج نخب شابة مؤهلة لتدبير الشأن العام، مما فتح الباب على مصراعيه للريع و الزبونية والمحسوبية والولاء للزعيم والوشاية كأساليب غير أخلاقية للتسلق في المسؤوليات الحزبية. وانتقلت عدوى مجمل الأمراض والأعطاب التي أصابت الأحزاب السياسية إلى كثير من الشبيبات الحزبية، وأهدرنا الإبداع السياسي لشبابنا في صراعات هامشية وفي حرب مواقع.
إن السياق الحالي الذي أحاط به الدستور الشباب، وأمام كل الالتزامات الدولية التي أخذها المغرب على عاتقه ضمن كل البرامج الدولية والأجندات المرتبطة بالشباب، وأمام استمرار ضعف انخراط الشباب في الأحزاب السياسية والنقابات مقابل الزيادة في انخراطهم في العمل الجمعوي ، وظهور أشكال جديدة من التعبير السياسي لدى فئة عريضة من الشباب عبر وسائط التواصل الاجتماعي يفرض علينا ونحن نراجع نظامنا الانتخابي بمناسبة الاستحقاقات المقبلة2021، أن تتوقف الأحزاب السياسية، على تقييم تجربة لائحة الشباب لاستثمار ايجابياتها وتجاوز أعطابها، ولابد من التفكير مع الشباب في الآليات والميكانيزمات والمقاربات التي تمكن من انخراط أكبر وأكثر نجاعة للشباب في الفعل السياسي.
ويمكن بلوغ هذا الهدف من خلال عدة ميكانزمات نراها بدائل ممكنة للائحة الشباب، والأقدر على ابراز الجوانب المشرقة في صيرورة انخراط الشباب في العمل السياسي:
– حرص الأحزاب على تقديم ترشيحات موسعة للشباب ضمن لوائح المرشحين للانتخابات على المستويات المحلية،الإقليمية ،الجهوية، الوطنية، ودعمهم بما يلزم ماديا ومعنويا لكسب ثقة المواطنين.
– يمكن أن ترهن الدولة الدعم المقدم للأحزاب بمناسبة الانتخابات بعدد الشباب الذين سيتم ترشيحهم ضمن لوائح المرشحين لكل الاستحقاقات.
– أن تتخذ الدولة والأحزاب معا مبادرات للإحداث ثورة في السلوك الانتخابي للمواطن الذي يعاني أيضا من عدة أعطاب نظرا لاعتماد بعض من أصحاب المال القذر على شراء الذمم و الأصوات.
– التفكير في كيفية استقطاب الشباب الديناميكي الفاعل في مؤسسات المجتمع المدني ومنصات التواصل الاجتماعي للإنخراط في العمل الحزبي.
إن نجاح الشباب في الانتخابات لا يرتبط فقط بإرادتهم من عدمها في الترشح، بل يرتبط أساسا باستفادتهم من تزكية الأحزاب التي ينتمون إليها، والاستفادة من الدعم المادي ودعم قدراتهم على الترافع والإقناع. كل ذلك رهين بتغيير جدري في أساليب التعامل مع الشباب بتخليق العمل السياسي، قصد استرجاع ثقة المواطنين في قدرة الشباب على رفع التحدي، وإحداث ثورة في السلوك الانتخابي للمواطنات والمواطنين، في منأى عن ذوي المال والنفوذ، الذين بخسوا العمل السياسي و تحولوا إلى كائنات انتخابية تكرس ثقافة العزوف والإتكالية.
إننا في سياق مجتمعي لا يثق في قدرات الشباب، الذي يرمز في بعض الأحيان في مخيالهم الجمعي إلى انعدام التجربة وغياب المسؤولية، خاصة لدى الجيل الجديد، لأن المجتمع لم يبلور آليات وديناميات لتنظيم الحوار بين الأجيال، بما يضمن إصغاء بعضنا للبعض، وفهمنا الجماعي للتحولات التي عرفتها منظومة القيم، خاصة لدى الشباب، جراء العولمة والثورة التكنولوجية الحديثة. كما أننا لم نبدع آليات تضمن دعم المشترك القيمي بين الأجيال، بما يعزز افتخار الشباب بالانتماء لوطن له حضارة وثقافة عريقة، ويضمن اعتزاز الجيل السابق بعبقرية الشباب المغربي.
إن التحدي الحقيقي المطروح اليوم على الدولة والأحزاب، هو كيف يمكن إشراك أكبر عدد ممكن من الشباب في الاستحقاقات المقبلة؟ حيث تشكل هذه الفئة الاجتماعية أزيد من 34% من ساكنة المغرب، نساء ورجالا، في العالمين القروي والحضري، في الأحياء الراقية وأحياء الهوامش. أن عملية الإشراك ودعم انخراط الشباب في العمل السياسي، لا شك سيقلل من الشعور بالإحباط، الذي قد يتحول إلى زاد لديناميات مجهولة النسب والأفق، في زمن تحتاج فيه الدولة إلى تعزيز ثقة المواطنات و المواطنين في مؤسسات الدولة وخاصة الشباب.
أن تحرص الدولة أيضا على ضمان تمثيلية مشرفة للشباب في الحكومة وفي مختلف المؤسسات الوطنية التي لها ارتباط في العمق بقضايا الشباب، وتشبيب النخب في المسؤوليات الإدارية، والإسراع بإخراج المجلس الاستشاري للشباب إلى حيز الوجود؛ كل هذه التدابير ستعطي ضمانات للشباب بأن إلغاء اللائحة لا يعني إقصاءهم من الحقل السياسي، فالضرورة تحتم التفكير و الحرص على إشراك الشباب بوسائل أكثر نجاعة للاستفادة من طاقات وإمكانات بشرية هائلة مهدرة ومعطلة في الغالب الأعم.
كما أن المنتظر من الشباب، الارتقاء بمستوى النقاش إلى أفق أرحب يستوعب مطالبهم المشروعة، لكن في حدود ما تسمح به التقاليد السياسية وأخلاقيات ممارسة العمل السياسي. كما أن المطلوب من الشباب في الوقت الراهن، توظيف إبداعهم من أجل اقتراح آليات وميكانيزمات سياسية تسمح بممارسة أنجع، وانخراط فعال في التعبير عن وعيهم السياسي. ويمكن أن تكون اللوائح المستقلة فرصة لتعزيز مشاركة الشباب في الاستحقاقات المقبلة، ليس فقط عن طريق القبعة السياسية بالعمل على حذف بعض الشروط التي تمنع استعمال هذه الآلية.
*فاعلة سياسية و حقوقية