الرباط: le12.ma

 

تُفند المعطيات الخاصة بدراسة والمصادقة على النصوص القانونية بمجلس المستشارين، مزاعم عرقلة التشريع من لدن المؤسسة، إذ عكس ما تذهب إليه هذه المزاعم، فإن المعطيات تؤكد التزام مجلس المستشارين بدراسة والمصادقة على النصوص القانونية في آجالها المحددة، وأن الاستثناءات التي قد تحصل في بعض الأحيان، تعود إلى اعتبارات موضوعية أكثر مما هي ناتجة عن وتيرة اشتغال المجلس. بل إن المعطيات نفسها، تؤكد أن مناقشة القوانين بمجلس المستشارين، تعرف وتيرة متسارعة.

 رددت بعض الكتابات، التي نشرت أخيرا في بعض المواقع الخبرية، أسطوانة وضع مجلس المستشارين لعدد من النصوص القانونية في الثلاجة، مشيرة في ذلك إلى نصوص قانونية مُحددة بدت لأصحاب هاته الكتابات أنها ” عمرت طويلا” بالمجلس،  لكن نظرة سريعة إلى السياق الذي تمت  فيه مناقشة تلك النصوص، تكشف دخول عوامل موضوعية خارج عن إرادة المجلس، حالت دون  تمكن الأخير من التقيد بالآجال المحددة. على رأس هذه النصوص، مشروع قانون رقم 103.13 يتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، الذي ورد على المجلس من طرف مجلس النواب بتاريخ 21 يوليوز 2016.  وللتذكير، فقد تمت إحالة المشروع على لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان، مباشرة بعد توصله من مجلس النواب، أي بعد يوم واحد من توصله من الغرفة الأولى) 22 يوليوز 2016(. وجرى تقديمه في اجتماع اللجنة في 2 غشت 2016.

لكن مع الأسف، أن إحالة المشروع المذكور تزامن مع اختتام الدورة الخريفية، حيث أعلن المجلس عن اختتام الدورة العادية لأبريل 2016 بتاريخ 05 غشت 2016 (أي بعد 3 أيام من أول اجتماع للجنة حول المشروع)، علما بأن الأسبوعين اللذين أعقبا إحالة مشروع القانون كانت اللجنة مستغرقة في دراسة مشاريع قوانين أخرى ذات أهمية عرضت عليها قبل ايداع النص المذكور.

وللتدقيق، فإن برنامج اجتماعات اللجنة للفترة المذكورة اتسمت بدراسة العديد من النصوص، كما هو مثبت في الوثائق الرسمية الصادرة عن مجلس المستشارين في هذا الصدد.  ومن ضمن هذه النصوص، القانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب العليا والقانون المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، والنص المتعلق بالتنظيم القضائي وآخر بمكافحة الاتجار بالبشر.  وكانت اللجنة منهمكة، كذلك، في مناقشة مشروع القانون المتعلق بالمحاكم المالية، وكذا مشروع القانون رقم 79.14 المتعلق بهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز. وبالتالي، فإن عدم البت في مشروع القانون المتعلق بمكافحة العنف ضد النساء لا يرجع لأسباب منهجية ترمي الى العرقلة وإنما وقفت في وجهه ظروف ترتبط بغزارة الأشغال.

وقد أعقب اختتام الدورة اجراء الانتخابات التشريعية لـ7 أكتوبر 2016، التي عرفت تعثرا في تشكيل الحكومة امتد لأزيد من نصف السنة، حيث انتقلت الحكومة السابقة إلى حكومة تصريف الأمور الجارية طبقا للفصل 47 من الدستور، والمادة 37 من القانون التنظيمي رقم 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، التي يمنع بشكل لا لبس فيه على الحكومة المعنية المصادقة على مشاريع القوانين. 

وللتذكير فإن مجلس المستشارين كانت له آنذاك قراءة خاصة للمادة المذكورة ضمنها في بيان رسمي صادر عن مكتبه أعرب فيه عن استغرابه دفع الحكومة بالمقتضيات السالفة الذكر القائمة طيلة فترة تعثر مشاورات تشكيل الحكومة، للانفلات من الرقابة البرلمانية، وذلك إلى حين تنصيب حكومة سعد الدين العثماني في 7 أبريل 2017، وما تبع ذلك من تغييرات على مستوى القطاعات الوزارية التي تكون أولوياتها بعد التنصيب مركزة على ترتيب البيت الداخلي، قبل الانتقال الى البحث عن تمرير القوانين، بل وإن التأخر في برمجة النص المذكور دعت رئيس مجلس المستشارين الى مراسلة رئيس اللجنة المختصة بتاريخ 26 أكتوبر  2017 قصد برمجته في أقرب الآجال. وهذا موثق في الموقع الرسمي للمجلس أيضا.

 لقد تمت برمجة مشروع قانون محاربة العنف ضد النساء لاجتماع 31 أكتوبر 2017، فنوقش بصفة إجمالية مع الاتفاق على تنظيم لقاء دراسي حول المشروع من لدن المجلس، والذي نظم بتاريخ 8 نونبر 2017 بحضور ممثلين عن الوزارة المعنية والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وعدد من جمعيات المجتمع المدني.

تم تحديد يوم الأربعاء 17 يناير 2018 كموعد لمواصلة مناقشة مواد مشروع القانون، وأجل الى يوم الجمعة 19 يناير 2018 بطلب من فريقين ومجموعة برلمانية، كما ورد على اللجنة طلب لتأجيل اجتماع الجمعة 19 يناير 2018 من لدن ثلاثة فرق ومجموعة برلمانية، ورغم ذلك عقد الاجتماع بحضور وزيرة الاسرة والتضامن تم خلاله إنهاء مناقشة مواد مشروع القانون والاتفاق على إيداع التعديلات يوم الأربعاء 24 يناير 2018، لتوافق اللجنة على مشروع القانون في الاجتماع المنعقد بتاريخ 29 يناير 2018، بعد تعديله، بالأغلبية. ووافق المجلس على مشروع القانون في الجلسة العامة المنعقدة بتاريخ 30 يناير 2018، ليُحال بعد ذلك على مجلس النواب بتاريخ 31 يناير 2018 لاستكمال مسطرة دراسته.

ثمة بعض الأرقام الدالة التي تُبين فعلا الجهة التي تُعطل البت في القوانين، وذلك دون تقديم أدلة أخرى تنازل فيها مجلس المستشارين بمحض ارادته عن حق أعضائه في دراسة النصوص داخل الآجال التي يعطيها له النظام الداخلي، خدمة للمصالح العليا للوطن، وللمواطن المغربي خاصة في ظل جهود مكافحة جائحة كورونا.

إن نظرة سريعة على آجال دراسة والمصادقة على النصوص القانونية بالبرلمان، تُثبت أنها(الآجال) تتقلص بمجلس المستشارين. على سبيل المثال، فإن أجل الدراسة والمصادقة على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس الوصاية كان هو 26 يوما، في الوقت الذي استغرقت دراسة النص 58 يوما بمجلس النواب . كما أن دراسة مشروع القانون التنظيمي رقم 44.14 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية استغرقت بمجلس المستشارين 125 يوما، في الوقت الذي تطلبت مناقشته والتصديق عليه 187يوما بمجلس النواب.

في السياق نفسه، يلاحظ أن مشروع القانون التنظيمي رقم 64.14 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم الملتمسات، تطلبت مناقشته والتصويت عليه125 يوما، بمجلس المستشارين، فيما استغرقت مناقشته 187 يوما بمجلس النواب. كما أن مشروع القانون المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر تطلب 63 يوما بمجلس المستشارين، فيما استغرقت مناقشته 311 يوما بمجلس النواب.

وفيما تطلبت دراسة مشروع قانون رقم 73.15 يقضي بتغيير وتتميم بعض أحكام القانون الجنائي مدة 48 يوما بمجلس المستشارين، فإن هذه المدة ارتفعت إلى 96 يوما بمجلس النواب.

 وفي الآخير،  وفي  سياق الرد على من ينتقدون حصريا  مجلس المستشارين بعرقلة التشريع، يمكن لنا أن نُثير دون خلفيات معينة، عدم بت مجلس النواب في مشاريع قوانين عمرت أكثر من الحد المعقول: مشروع قانون رقم 88.12 يتعلق بتنظيم مهنة وكيل الأعمال محرر العقود ثابتة التاريخ، المودع لدى مجلس النواب في 8 نونبر 2013؛ مشروع قانون رقم 10.16 يقضي بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي، المودع لدى مجلس النواب في 24 يونيو 2016؛ مشروع قانون تنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، المودع لدى مجلس النواب في 6 أكتوبر 2016.

كما نتساءل عن الأسباب الحقيقية وراء اقبار مقتـــرح قانون تقدم به المستشار عبد اللطيف أعمو بصفته ممثل آنذاك لفريق التحالف الاشتراكي بجانب الفريق الاشتراكي، والذي يرمي إلى تعديل المادة 20 من القانون رقم 70.03 بمثابة مدونة الأسرة، بهدف الرفع من الحد الأدنى لسن الزواج، والذي أحيل على مجلس النواب بتاريخ  23 يناير2013، دون أن يحظى بأية متابعة أو تعليق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *