محمد نجيب كومينة

تمثل المائدة المستديرة المنظمة في جنيف تحت إشراف مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة المكلف بملف الصحراء تحولا كبيرا له ما بعده. ذلك أن زعم تمثيلية البوليساريو لما تسميه الشعب الصحراوي يسقط على المستوى الأممي، بعدما سقط على مستوى علاقات المغرب مع الاتحاد الأوربي في المدة الأخيرة، إذ يشارك ثلاثة منتخبين في الوفد المغربي لهم شرعية الاقتراع العامّ وانتخابهم للمسؤوليات التي يتولونها من طرف المنتخبين على المستويين المحلي والجهوي والمهني، ويتعلق الأمر برئيس جهتي وادي الذهب والساقية الحمراء وعضوة المجلس الجماعي للسمارة، المدينة ذات الرمزية التي انطلق منها الشيخ ماء العينين وابنه أحمد الهيبة للتصدّي للحملة الاستعمارية ومناهضة اتفاقية الحماية.

وتعدّ تمثيلية هؤلاء، بالإضافة إلى تمثيلية وزير الحارجية والتعاون والممثل الدائم للدولة المغربية لدى الأمم المتحدة، أقوى بكثير من تمثيلية من حضروا باسم البوليساريو، لأنها نابعة من أغلبية الساكنة التي اختارت بحُرية في انتخابات لم يكن فيها مطعن لأحد في الداخل والخارج.

وبناء على ذلك، يصبح السؤال الحقيقي المطروح، وطرحه وارد منذ مدة في قرارات مجلس الأمن السنوية: من تمثل البوليساريو في الحقيقة؟ وما هو الحجم الحقيقي لهذه التمثيلية مقارنة مع تمثيلية الصحراويين الوحدويين والمناهضين للانفصال؟ وهما سؤالان محرجان للجزائر ومن يشتغلون في إطار أجندتها الإقليمية؛ ولذلك تتهرب من طرحهما بالهروب من إحصاء نزيه ودقيق لساكنة مخيمات “الحمادة” من الصحراويين الحقيقيين.

لقد بات مطلوبا بإلحاح غير مسبوق، بعد هذه المائدة المستديرة، تكفل وكالة غوث اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، بإجراء إحصاء دقيق لسكان مخيمات “الحمادة”، الخاضعة لسيادة الدولة الجزائرية، المنحدرين فعلا من أقاليمنا الجنوبية، وليس من أي تراب آخر. ومن المؤكد أن هذا الإحصاء، الموصى به في القرارات الأممية، سيكشف كم كانت كبيرةً كذبةُ تمثيل الشعب الصحراوي ووسيلة ابتزاز واتجار استعملتها العناصر المتحكمة في ساكنة تلك المخيمات بدعم من الدولة الجزائرية وأجهزتها ولا علاقة لها بواقع الحال. ذلك أن أغلبية سكان أقاليمنا الصحراوية تعيش في هذه الأقليم وليس خارجها، والمغرب يتوفر ولا شك عن الإحصاءات الدقيقة المتعلقة بهم، سواء في معطيات الإحصاء العام للسكان والسكنى، الذي ينظم دوريا كل عشر سنوات، أو في غيرها من الوثائق ذات الطابع الوطني والجهوي والمحلي، وجهاز الإحصاء في المغرب له مصداقية دولية واعتراف دولي بكفاءته وخبرته.

غدا، لن يكون بمقدور الجزائر ولا البوليساريو ترديد أسطوانة الممثل الشرعي للشعب الصحراوي أو الترويج لجمهورية الوهم في أيّ رواق من الأروقة، فقد انتهى زمن الكذب والأقلية تبقى أقلية حتى لو أكثرت الضجيج ووضعت رهن إشارتها إمكانات الجزائر ودبلوماسيتها ومخابراتها، وما يوجد على الأرض هو الذي يبقى الحقيقة الماثلة للعيان والتي تنتهي بأن تقنع المتشككين والمترددين، وحتى المرتشين. ولا شك أن الجزائر المستدعاة كطرف لمحادثات جنيف واعية بكل هذا، وعليها اليوم أن تراجع أوراقها بما يقود فعلا إلى إطلاق قطار الاتحاد المغاربيّ المعطل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *