حسن البصري
 
أصدرت المحكمة الابتدائية بابن جرير، حكمها في حق المستخدمة المتهمة بسرقة البيض من مزرعة رجل الأعمال والبرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة، وقضت بشهر موقوف التنفيذ وغرامة مالية قدرها مائة وثلاثون درهما. 
وكانت هذه القضية قد عرفت جدلا واسعا في منصات التواصل الاجتماعي ووصل صداها إلى الفضائيات العربية والعالمية، وتمكن الحدث من انتزاع مكانته رغم الريح والجو الماطر والإعصار، ودارت في عمق الرحامنة معارك بسبب البيض المسروق استعملت فيها أسلحة السياسة فاستعاد الأهالي نوسطالجيا المنطقة حين كانت مسرحا للمعارك، ورددوا في قرارة أنفسهم «فين أيامك يا بن كرير ياك الغبرة والكور يطير».  
ذكرتني هذه القضية بحكاية طرد مستخدمة من عملها في مطبخ خيرية بالدار البيضاء، بعد أن ضبطت وهي تخفي حول خصرها حزاما من البيض كأنه حزام ناسف، استوقفها حارس البوابة وأصر على تفتيشها وقيل إنها تأخرت في دفع الإتاوة فتم توقيفها بتهمة السرقة المسلوقة.
ارتبط البيض في أذهان ناس الكرة بالفرجة، فحين يمرر لاعب الكرة من بين ساقي خصمه تشتعل المدرجات وتهتز انتعاشا بهذه «البيضة»، ويتفاخر الجمهور بلاعب تمكن من «تبييض» خصمه في ما يشبه الإهانة الكروية، إلى أن قرر قاموس المعلقين الرياضيين تعديلها لتحمل اسم «قنطرة صغيرة»، وإذا فطن لاعب للبيضة وجلس فوق الكرة مانعا إياها من المرور فإن الحكم يعلن ضربة خطأ غير مباشرة ويحذر اللاعب من فقسها وإفساد العملية. 
ظل البيض في عالم الكرة عنصرا لإثارة الفرجة، وأداة للسخط الجماهيري ضد مسؤول أخلف الوعد مع الألقاب، حيث ينهال البيض النيء على رأسه عقب خسارة مستفزة، وما أن يجفف شعره ويتخلص من الرائحة النتنة حتى يكتب استقالته بالمح الأصفر.  
لكن أغبى لص في عالم الكرة هو الذي ضبط خلال مداهمة لملعب الوازيس وضبطه وهو يقوم بسرقة جوارب رياضية، بعد أن رصدته الكاميرا وهو يرتدي كيسا بلاستيكا شفافا على رأسه، وضبطت مستخدمة وهي تخفي تحت جلبابها إكليل نعناع محشو بالزعتر كانت رائحته كافية لتوقيفها بتهمة حيازة «قبطات نعناع» وعرضها على مدير النادي رفقة المسروق، منذ ذلك الحين أعلنت مقاطعتها الشاي المنعنع وأعلنت نفسها مدمنة شاي «سيك».
صحيح أن «من يسرق بيضة يسرق ثورا» حين يشتد ساعده وتكبر مؤهلاته وتتوسع طموحاته، لكن قضية البيض المسروق أعاد إلى الأذهان مسلسل «عفا الله عما سلف» الذي أخرجه عبد الإله بن كيران قبل سنوات، والذي دافع فيه عن حق السارق في الاستفادة من دورة استدراكية في الصدق والفضيلة، ووضع مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في ثلاجة الحكومة.
لكن لا يوجد فيلسوف إلا وتوقف عند السؤال المحير: أيهما أسبق البيضة أم الدجاجة؟ ولا يوجد رجل سياسة استلهم حملته من البيض، حين ينصح تارة بألا يضع كل البيض في سلة واحدة، أو حين يضع كل بيضه في سلة واحدة ويحرس السلة. 
عندما يقف السارق أمام المحققين ويحاصر بالأسئلة يجد نفسه في «حيص بيص»، والحال أن حيص بيض، يجعل الجاني «يسرط» البيض أي يبتلع ريقه استعدادا للاعتراف بالتهم المنسوبة إليه، وحين يكون من ذوي السوابق يحضر البيض من جديد ويردد المحققون على مسامعه المثل المأثور: «ما حدها تقاقي وهي تزيد في البيض». 
كثيرة هي القضايا التي صنفت في خانة سرقات البيض فطواها النسيان، وسقطت عنها الملاحقة القضائية وانضمت لمئات الملفات التي تمكن أصحابها من الإفلات من العقاب وحتى من استرجاع البيض نيئا كان أو مسلوقا، وكثير من كبار اللصوص أبانوا عن حنكة في تدبير أصعب المواقف وحرصوا على ألا يرقص البيض مع الحجارة. 
مع حالة البرد والصقيع استعاد البيض مكانته، وقد نشاهد غدا في النشرات الاقتصادية أسعار البيضة الواحدة مقابل باقي العملات.
*كاتب /صحفي 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *