*كريكاتير /خالد كدار
ما يحز في القلب ويبعث على التذمر في ما حدث بالدار البيضاء من فيضانات بسبب التساقطات القليلة التي نزلت بعد جفاف طويل ليس هو اختناق الطرق أو تسرب المياه لعربات الترام بل هو كل تلك الآلاف من الأمتار المكعبة من المياه التي ضاعت في مدينة تعاني هوامشها من العطش.
فليس هناك في مدينة عملاقة كالدار البيضاء أية سياسة لتدبير مياه الأمطار ولا المياه العادمة واستغلالها، كل ما ينزل من السماء أو يخرج من القنوات يصب في البحر.
لذلك يمكن أن نقول إن الأمطار هي مجلس الحسابات الحقيقي الذي يفضح ويكشف عيوب التسيير في المدن، إذ يكفي أن تنزل بضع قطرات حتى يظهر المستور.
ولكي نفهم أسباب الحالة التي وصلت إليها الدار البيضاء، ومعها بقية المدن الفاشلة، يجب أن نعود إلى التاريخ لكي نبحث عن الأحزاب والنقابات التي ارتبطت بالدار البيضاء.
وفي السابق كنا نعرف كل مدينة بحزبها، أما اليوم فالحزب الوحيد المتحكم في رقاب المدن هو حزب “الشلاهبية” و”الشناقة” الذين يمسكون بخناق المواطنين ويعصرون جيوبهم بالضرائب دون أن يروا أثر ضرائبهم على الأرصفة أو الساحات العامة أو الخدمات.
حزب الشلاهبية هذا يوجد أعضاؤه في مجالس المدن، وهم من العبقرية بحيث يعرفون الطريقة السهلة والسريعة لدخول المجالس شبه فقراء ومعدمين لا يملكون حتى الصباط، والخروج منها ببطون سمينة وأرصدة منتفخة في البنوك .
ولعل أول جهاز يجب أن يتحرك لكي يعيد لدافعي الضرائب بالدار البيضاء الثقة في مؤسسات مدينتهم المنتخبة هو المجلس الجهوي للحسابات الذي يجب عليه أن يزور المجالس المنتخبة ويراجع حساباتها وطرق صرف ميزانياتها. ثم هناك المديرية الجهوية للضرائب التي يجب أن تبحث في ثروات بعض أعضاء المجالس ورؤسائها لكي تدقق في مصادرها وهل هي متحصل عليها قبل توليهم المسؤولية أم أثناءها.
وصدق ملك البلاد عندما قال إن تحويل الدار البيضاء إلى قطب مالي دولي لا يتحقق بمجرد إنشاء بنايات ضخمة وفق أرقى التصاميم، بل بتوفير البنيات التحتية والخدماتية، إذ من سيأتي إلى الدار البيضاء من الخارج لكي يستثمر أمواله ويفتح فروعا لشركاته العالمية في مدينة يستحيل أن تسير في شوارعها دون أن “تعكل” رجلك في حفرة أو دون أن يعترض سبيلك متسول بعاهاته أو متسولة بأبنائها الرضع أو لص بسيفه القاطع؟
إن الحل بالنسبة لمدينة مصابة بالسمنة وتضخم القلب وتصلب الشرايين كالدار البيضاء ليس فقط في ارتفاع علو بنيانها في المارينا أو في الهندسة المستقبلية لبنوكها وشركاتها في المركز المالي، وإنما الحل الحقيقي يوجد أيضا في مدى تحقيق العدالة الاجتماعية والرفاهية والأمن بالنسبة لكل سكان الدار البيضاء.
وأول خطوة في مسلسل إعادة الدار البيضاء إلى الطريق الصحيح هي محاسبة مدراء شركات التنمية على تسييرهم وتصرفهم في ميزانيات تقدر بحوالي 40 مليار درهم، وهو ما يوازي ميزانية 10 وزارات لمدة 5 سنوات.
وتقرير مجلس جطو جاهز بخصوص هذه الشركات التي حولها مدراؤها إلى ضيعات يفعلون فيها ما يحلو لهم.
لقد أرادت الدولة أن تحقق بهذه الشركات تنمية متسارعة تقفز على مجلس المدينة ومشاكله ومشاحنات أفراده، لكن النتيجة كانت عكسية تماما.
فعندما أرادت الدولة الخروج من الدائرة المغلقة التي أدخل فيها رؤساء الجماعات ومجلس المدينة مصالح سكان ومستثمري الدار البيضاء جاءت بفكرة شركات التنمية، بحيث سيتفرغ المستشارون والعمداء لحساباتهم الصغيرة ويتركون مجال التسيير لهذه الشركات. غير أن الرياح جرت بما لا تشتهيه السفن، واليوم يتحسس أزيد من 35 مديرا، بشركات التنمية المحلية بالعاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، رؤوسهم مع انتهاء قضاة المجلس الأعلى للحسابات من تقاريرهم، هذه الشركات التي يبلغ عددها بالدار البيضاء وحدها أزيد من 7 شركات تحظى بنصيب وافر من ميزانية مجلس المدينة.
مدراء هذه الشركات لديهم رواتب وزراء، وطريقة تسييرهم تشوبها مجموعة من الاختلالات في آلية وطريقة توظيف هذه الشركات للموظفين والتقنيين والمهندسين التابعين لها، في ظل استفادة المدراء المشرفين على هذه الشركات من رواتب وتعويضات سخية تتجاوز 70 ألف درهم، كما هو الحال بالنسبة للمدير العام لشركة الدار البيضاء للخدمات التي تتولى تدبير مجموعة من القطاعات بشكل متعثر كالنظافة والمجازر وأسواق الجملة.
والمدير العام لهذه الشركة لوحده يتوفر على 4 سيارات ، و3 أخرى لفائدة مدراء يشتغلون إلى جانبه، في إدارة شؤون الشركة في ظل زيارته “النادرة” التي لا تتجاوز الساعتين أيام الاثنين والأربعاء والجمعة.
أما مدير شركة الدار البيضاء لـ”التنشيط”، فقد غير عدة مرات مدراءه الماليين بسبب رفضهم للأوامر الصادرة عنه، والجميع يتذكر الظروف السيئة التي تم فيها تنظيم الشركة للعديد من المباريات الوطنية الخاصة بالدوري المغربي.
وآخر الفضائح ما حدث في ملعب دونور الذي تحول بسبب الأمطار إلى مسبح معيدا إلى الذاكرة حكاية الوزير والكراطة.
أما شركة الدار البيضاء للتنمية المكلفة بالمرائب، فقد خفضت من مداخيل مجلس الدار البيضاء، بعد إنهاء العقدة التي كانت تربط المجلس بالشركة السابقة، فشركة الدار البيضاء للتنمية ستدفع فقط 30 في المائة لصالح الجماعة والباقي سيصرف لـ”تحفيز” الموظفين.
أما عن شركة إدماج سكن، فما زالت العديد من العائلات تقطن في “الملاجئ” والمنازل المتهالكة بسبب تجاهلها من جهة وتعثر عمليات إعادة الإيواء من جهة أخرى، والشركة ترهن مستقبل العديد من العائلات والأسر التي ما زالت إلى حدود كتابة هذه الأسطر تنتظر استفادتها من شقق سكنية بعد إفراغ منازلها الآيلة للسقوط أو الأخرى المتواجدة بالأحياء الصفيحية.
المدينة ما زالت طرقها وشوارعها على حالها إلى اليوم ومنذ توليها تدبير “تهيئة” الدار البيضاء، وإلى الآن لم تفتحص ميزانية عدد من الصفقات التي تديرها الشركة.
أما مدير شركة الدار البيضاء للنقل، فشركته لم تفلح في حل اختلالات قطاع النقل وعلى رأسها وجود شركات للنقل الحضري “غير مفوض لها” تجوب شوارع الدار البيضاء بحافلات خردة، واختلالات شركة نقل المدينة السابقة وصفقة ألزا التي تستعمل حافلات خردة، بالإضافة إلى تعثر مد خطوط الترامواي الخاص بالدار البيضاء.
أما شركة الدار البيضاء للتراث، فإن غالبية مشاريعها متوقفة، رغم الميزانيات المرصودة لإنقاذ هذا الكنز الذي يعتبر تراثا للإنسانية.
وجميع هؤلاء المدراء ما شاء الله عليهم يحظون بإمكانية الرفع من عدد السيارات المخصصة لأسطولهم مع التزود المجاني بالبنزين عبر البطاقة البنكية “غير المحدودة” بفضل المال العام.
وبانتظار حلول ساعة الحساب ليس بمستطاع سكان الأحياء الفقيرة بالدار البيضاء سوى النوم محزمين بالشومبريرات، حتى إذا هجمت السيول على بيوتهم “هزهم الما” على الأقل ولم يغرقهم.
*رشيد نيني