كينشاسا: محمد التويجر

 

منذ التحاقي بقطاع الرياضة بالإذاعة الوطنية منتصف تسعينيات القرن الماضي، قادتني التزاماتي المهنية إلى زيارة 14 دولة إفريقية .

تأقلمنا مع مشاهد الفقر والحرمان والمرض، والتباين الصارخ بين مقربين من مراكز القرار يعيشون بحبوحة عيش خرافية وشعب يعاني الفاقة حد المجاعة، يتابع كيف تنهب خيراته دون أن يجرؤ على الاعتراض .

لكن ما عشته أمس حين تغطية إياب نهائي كأس الاتحاد الإفريقي بكينشاسا الكونغولية بين فيتا كلوب المحلي والرجاء البيضاوي يستعصى على التخيل.. عدوانية غريبة، وتهديد بالقتل، ومحاصرة داخل الملعب وإلقاء القنابل المسيلة للدموع من طرف شرطة تتفرج على الانفلات الصارخ .

فبدل أن توجه بنادقها صوب الآلاف من الجماهير الهائجة، التي لم يرقها استعداد فريق الرجاء للاحتفال بكأس قطع من أجلها آلاف الكيلومترات، وتأقلم مع مختلف الأجواء، تفتقت عبقرية شرطي بليد ليقرر إرسال قنبلة طائشة إلى أرضية الميدان، مما تسبب في اختناق بعض من أعضاء البعثة، قبل أن يمتد دخانها إلى المدرجات المغطاة التي كانت تأوي عشاق الفريق الذين حلوا بملعب الشهداء لدعم أشبال غاريدو .

العشرات من حالات الاختناق وفقدان الوعي، والقيء أمام شرطة متفرجة تنصح ضحايا مجزرتها بعدم إغماض العيون والتأقلم مع الوضع إلى حين انقشاع الغمامة الحارقة.

لكن ما زاد الطين بلة، تحول رجال الأمن إلى لصوص، فقد تعرضت مجموعة من العناصر المشجعة لسرقة أمتعتها، نقودها وحتى جوازات سفرها…. (حاميها حرميها)  .

نحن معشر الصحفيين، لم نسلم أيضا من تحرشات المنظمين البلطجية، فبعد صفع الزميل زهير الرامي موفد قناة الرياضية أمس، الله سلم بفضل فطنة السائق الذي عمد إلى الانطلاق بأبواب مفتحة لتمكين المتأخرين من الركوب تفاديا للأسوأ، حوصرنا نحن 18 موفدا في دهليز، قبل أن يصروا على نقلنا مثنى مثنى وكأننا تلاميذ فصل ابتدائي، وسط أمواج بشرية هائجة تتوعدنا بالويل والقتل، مدعين أن الباب المؤدية إلى منصة الصحافة مغلقة وأنهم سيؤمنوننا حتى نبلغ وجهتنا، لنفاجأ بهم وقد حشرونا مع الجمهور الرجاوي غير آبهين بشارات الاعتماد التي لم تنفعنا في شيء رغم تدخلات سفير المملكة السيد “رشيد أغاسيم” ومعه موظفو الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، الذين نالوا هم أيضا حظهم من الإذلال والمضايقة .

واكتملت فصول المهزلة، التي جسدت درجة التخلف والانحطاط التي تعيشها الكونغو كينشاسا حاليا، وهمجية جمهور مشحون…حين تعرضت الحافلة الصغيرة المخصصة لنقل الصحفيين للرشق بوابل من الحجارة تسبب في خسائر مادية ملحوظة، مما اضطر سائقها إلى الفرار بجلده وحافلته، مكتفيا بنقل من كانوا على متنها، دون أن يفكر في زملاء كانوا منشغلين بأخذ ارتسامات البعثة الرجاوية في أعقاب التتويج.

الجميع حمد الله، لأن الرجاء خسرت اللقاء دون أن تفرط في الكأس، وأنه خرج من هذه التجربة بأقل الخسائر، مقتنعا بأن المغرب يبقى متقدما متحضرا مقارنة مع العديد من دول جنوب الصحراء عقلية وسلوكا، رغم مجموعة من المؤاخذات على سلوكات تعرقل انطلاقته الحقيقة.

رغم كل شيء هنيئا للرجاء وجمهورها….لقد شرفت النسور الخضراء المغرب وكرة القدم به.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *