*طلحة جبريل

التقيت الزعيم السوداني الصادق المهدي عدة مرات، لكن اللقاء الأكثر أهمية كان عام 1989.سأعود إليه تفصيلاً.

هناك أربع حقائق يمكن أن تقال عن الصادق المهدي.

*كان أصغر رئيس حكومة في السودان، إذ تولى هذا المنصب وهو في سن الثلاثين، وبما أن البلاد كانت آنذاك تأخذ بالنظام البريطاني في تركيبة السلطة، فإن منصب رئيس الحكومة يجسد السلطة التنفيذية.

* كان مثقفاً، متأثرابمدرسة أكسفوردوهي الجامعة البريطانية العريقة التي درس فيها. مدرسة تقول إن المثقفين والأشخاص الذين نالواتعليماً متيناً هم الأجدر بقيادة الحكومات. هذه المدرسة نجحت إلى حد ما في الهند وباكستان، لكنها لم تحقق النجاح المطلوب في السودان.

*تولى رئاسة الحكومة مرتين، عبر صناديق الاقتراع وانتخابات نزيهة، وهو حقاً كان آخر رئيس حكومة سودانية يملك شرعية دستورية .

*الصادق المهدي، شخص مهذب ولبق، ومؤثر، ومتحدث يملك ناصية الحديث، له شخصية كاريزماتية، ينظر بعينين يشع منهما مزيج من الحنكة والحزم، يتميز بذكاء مرهف. يمشي على مهل ويتحرك بهدوء وبشيء من الجلال .يتكلم بتهذيب وبصوت خفيض فيه بحة طبيعية.

يتحدث أفضل مما يخطب، يجيد فن التفاوض أكثر من موهبة الخطابة، يعتمد البراعة الشخصية ليمرر الحلول والتسويات وأحياناً يفرضعلى مخاطبيه جهداً لفك الغاز حديثه.يسعى لأخذ كل شيء، لكن بالتقسيط، يعتبر كل الأمور قابلة للتعديل وجس النبض. يقرأ كل شيء ويكتب كثيراً.

حسن الوفادة رحب الصدر مرح، يستقبل ضيوفه بكثير من الدماثة واللطف وحسن الضيافة.

يتقن سياسة الإبهار فيطلق شعاراتوتوصيفات ملفتة.

قلما يتحمل المعارضة أو الانتقاد وإذا تحملها على مضض، وقلما يفتش عن المشورة، وإذا وصلته فلا يأخذ منها إلا ما يناسبه ويعجبه،بعضهم يجلونه فيرون فيه معجزة، خصومه يقولون إنه متردد يتحدث كثيراً.

يبحث دائماً عن دور، لكن هاجسه المستمر رغبته في تمديد مهمته سواء كانت أسباب استدعائه قائمة أو أنها انتهت لسبب أو آخر. نقطة ضعفه  مبالغته في الحذر وخشيته من الإقدام.

أختم ببعض تفاصيل اللقاء الأكثر أهمية،

كان سبب اللقاء حوار صحافي معه في مقر رئاسة الحكومة، بعد أن أجريت الحوار، فوجئت به يقول بنبرات واضحة: لماذا لا تعود إلىالسودان؟

كان جوابي : قدم لي المغرب الكثير من التعليم إلى المواقع إلى أبنائي.

لكنه أضاف بلهجة واثقة، أقترح عليك حقيبة وزارية لها علاقة بالإعلام الخارجي، فكر في الأمر، لكن أبقي الإقتراح طي الكتمان .

أقول الآن، عاهدت الرجل بالكتمان وأوفيت بوعدي، إذ هذه أول مرة أتحدث فيه عن ذلك الموضوع.

رحم اللهسيد الصادق“.

***

لقاء مع الصادق المهدي بمكتبه برئاسة مجلس الوزراء في مارس عام 1989 ، حيث طرح اقتراحاً بقي طي الكتمان ، ثم كان أن عصفانقلابالإسلاميينعلى الديمقراطية في تلك السنة بذلك الاقتراح.

*كاتب صحفي سوادني الأصل مغربي الإقامة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *