يونس التايب

 

منذ بداية الجائحة الوبائية، ورغم ما أحدثته من أزمة وألم ومعاناة، وأنا أكتب وأقول أن هذه الأزمة تشكل فرصة استثنائية يجب أن نستثمرها …. وحتى لو أصر البعض على أن لا يراها كذلك، علينا نحن أن نصر ونصر ونفعل كل ما في وسعنا لنجعل من الأزمة فرصة استثنائية، ونتعامل معها على ذلك الأساس، عبر تجديد العهد مع عدة قيم أساسية، لم نكن ربما نركز مع دلالاتها بالقدر الذي تستحقه …. قيم تستحق أن نقوي حضورها في واقعنا، ونستثمرها ونستثمر فيها، كي نعزز مكتسباتنا المجتمعية ونطور أدائنا، ونحمي بلدنا وندافع عن مصالحه الإستراتيجية، ونرتقي به وبمجتمعنا إلى ما يجب أن يكون عليه من ازدهار وشموخ دائم.

ولعل أول وأهم تلك القيم هي قيمة تقديرنا الجماعي لوحدة انتمائنا لأرض المغرب الطاهرة، وحملنا لهوية تمغربيت التي تلزمنا أن نحمل وعيا معتزا بذواتنا كأفراد، وكمجموعة وطنية موحدة متميزة في سياق دولي صعب ومعقد ومتشعب.

اليوم، وأنا أرى كيف أن هذا الوباء اللعين لم يترك فئة اجتماعية ولا فئة مهنية، ولا مجالا جغرافيا من ترابنا الوطني المقدس، إلا وأخذ لنا منها أختا أو أخا، مواطنة أو مواطنا، من شيوخنا وشبابنا، ومن نسائنا و رجالنا.. أخذ المتقاعد والعامل المستخدم والموظف… أخذ الإداري والطبيب والمهندس والأستاذ والمعلم والإعلامي، ورجل السلطة ورجل الأمن، والتاجر والصانع والمقاول والفلاح … أخذ الغني والفقير… والمتعلم وغير المتعلم … أقف متدبرا في هذه الرمزية التي تتجدد في الأقراح والأحزان، كما في الأفراح والملاحم والبطولات… ولعلها رمزية تتجدد كي لا ننسى، في خضم اختلافاتنا ونقاشاتنا وتجاذباتنا، أن رأسمالنا الأول والأهم والأساسي هو أننا أبناء الأمة المغربية الواحدة، لا يكتمل رقينا إلا عندما نعيش كجسد واحد يصح وينمو بتوحده وتضامن أعضاءه وتآزرهم وتناغمهم في مواجهة كل التحديات والصعوبات.

بكل تأكيد، لولا عمق ما في وجداننا من مشاعر الإنتماء المغربي الأصيل، لما همنا ما يصيب بعض قومنا من خير أو شر، ولا همنا فقدان أشخاص لا نعرفهم بشكل مباشر و رغم ذلك نحس بغيابهم، ونتقاسم معهم ومع أسرهم حزنهم إذا حزنوا، ونحمل معهم هم التفكير في مشاكل الحياة، كما نتقاسم معهم فرحهم بما يحققونه من مكتسبات وتفوق.

لذلك، علينا أن نعي أن هذه الأزمة ستمر كما مرت أزمات وأوبئة سابقة … وبعدها سيكون أهم ما يجب تقييمه، بعد كل ما عرفته مرحلة الجائحة الوبائية، هو مدى تمكننا من تطوير ذواتنا نحو الأفضل، ولو بقدر قليل، ومدى استطاعتنا تجويد أدائنا كأفراد وكمؤسسات.

والأهم، سيبقى هو معرفة مدى نجاحنا في ترجمة قيمة الانتماء المشترك والمصير الواحد، لتتجسد من خلال إبداعات جديدة ناجعة ترقى بالسلوكات الفردية وبالممارسات المؤسساتية وبالسياسات العمومية، في كل المجالات وكل القطاعات، كي يتقوى التضامن والتآزر المجتمعي والعطاء للمحتاجين وحفظ كراماتهم، وخدمة الناس وقضاء مصالحهم وتشجيع مبادراتهم ومشاريعهم، وتحرك كل مواطن بحب متجرد يشمل المواطنين الآخرين ويجعله يسارع إلى خدمتهم وتقوية قدراتهم وإسعادهم ببلوغ ما يصبون إليه، بكل أريحية وإخلاص.

علينا أن نفعل ذلك ونحن مبتهجون لكوننا ندعم بعضنا البعض كأبناء أمة مغربية مجيدة، و ورثة حضارة عريقة بنت الإنسان وعمرت الأرض ونشرت الأمل، وبصمت في كل حقبة تاريخية على حضور متميز في لعبة الأمم، ومكنت المغاربة من أن يكونوا مساهمين كبار في رصيد التفاعل الثقافي والحضاري في العالم.

افتخروا بثقافتكم وبرصيدكم القيمي وبانتمائكم لوطنكم المغرب، واستثمروا في إحياء كل ما فيه من قيم جميلة… وانقلوا هذا الافتخار إلى أبنائكم وإلى الأجيال القادمة، و لا تتركوا في وجدان الناس فراغات قد تنسيهم من هم، و من أين أتوا، وإلى أين يجب أن يسيروا.

مسؤوليتنا الأخلاقية والوطنية، هي أن يعلو وطننا المغرب ولا يعلو عليه شيء… وأن يتجدد في كل حين ولاءنا لثوابتنا الوطنية الراسخة… وأن نتحرك لنغني تمغربيت ونثريها، ونغنى بها ونرتقي… والشرف هو في تحمل تلك المسؤولية بكل إخلاص حتى تشمل فعلنا البركة ويحفه الخير، لأن على هذه الأرض الشريفة ما يستحق الحياة والحب والصدق والتضامن وكل التضحيات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *