باريس -لاماب/ الرباط-Le12
انتقل إلى عفو الله الفنان التشكيلي المغربي، محمد المليحي، اليوم الأربعاء، بعد أن كان يخضع للعناية المركزة بأحد مستشفيات باريس على إثر إصابته بعدوى فيروس “كوفيد-19″، وذلك حسب ما علم لدى محيطه.
وكان محمد المليحي، الذي يبلغ 84 عاما من العمر، وهو أحد الوجوه البارزة في مجال الفن المغربي المعاصر، يتواجد في فرنسا من أجل إجراء فحوصات طبية قبل إصابته بالفيروس، حيث وافته المنية بالمركز الاستشفائي الجامعي أمبرواز باري الذي اعتمد به في قسم العناية المركزة.
وولد المليحي، أحد رموز الحداثة المغربية والفنان العالمي، سنة 1936 بأصيلة. فقد ساهمت أعماله في تشكيل جمالية المنظومات الفنية لما بعد فترة الاستعمار والشبكات الفنية العربية من خلال تعبيراته الهندسية، والثورة الثقافية المنبثقة مع مدرسة الدار البيضاء، وكذا عمله كمصور فوتغرافي، وناشر، ومصمم، وفنان ملصقات ورسام جداريات.
وكانت إبداعاته الفنية موضوعا للعديد من المعارض عبر العالم، كما خصصت له العديد من الفعاليات التي تحتفي بفنه.
وكان محمد المليحي قد أضحى منذ مدة الممثل الرئيسي الذي لا يزال على قيد الحياة للفن المغربي المعاصر، على الصعيد الدولي.
وإستقبلت النخبة المثقفة بالمغرب وخارجه رحيل المليحي، بتأثر كبير حتى أن الخبير الإعلامي، والناقد السينمائي أحمد الدافري، عاد إلى ربيرتوار حواراته الصحفية النادرة مع الشخصيات الفنية البارزة منها هذا الحوار مع الراحل محمد المليحي،
الذي تم نشره في الصفحة الفنية لجريدة الأحداث المغربية يوم 26 ديسمبر 2004.. نعيد نشره اليوم في الجريدة الالكترونية Le12.ma،”تذكيرا بمساره الفني، وبعلاقته مع السينما.. إنا لله وإنا إليه راجعون..”. كما علق أحمد الدافري. ..إليكم الحوار.
مراكش عام 2004- حاوره : أحمد الدافري
كان اللقاء مع محمد المليحي أولا في مراكش بمناسبة حضوره في فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش الذي تم تنظيمه من 06 إلى 12 ديسمبر الجاري ، لكن الحوار معه لم يتأت إلا في طنجة يوم 17 ديسمبر الجاري بقاعة دولاكروا التابعة للمعهد الفرنسي ، بمناسبة مشاركته في ندوة حول موضوع ” الإبداع التشكيلي و البيداغوجيا ” . الفنان محمد المليحي هو أحد رواد الفن التشكيلي المغربي المعاصر و أحد مؤسسي الجمعية المغربية للفنون التشكيلية التي يرأسها حاليا . في الحوار التالي نكتشف معه أهم المراحل التي مرت بها التجربة التشكيلية المغربية و نتعرف على علاقته بالسينما المغربية .
■ ما هو السياق الذي تأسست فيه الجمعية المغربية للفنون التشكيلية و ما هي ظروف نشأتها ؟
■■ تأسست الجمعية المغربية للفنون التشكيلية بين 1972 و 1973 على ضوء المهرجان الأول للفنان التشكيلي العراقي الواسطي الذي قام برسم مقامات الحريري و الذي توجد مخطوطاته في مجموعة من المكتبات القيمة في العالم مثل مكتبات باريس و الفاتيكان على الخصوص . و انطلاقا من رسوم مقامات الحريري ، كان قد نُشر كتاب يحمل عنوان ” الفن العربي ” سنة 1969 للمستشرق الألماني إيتينهاوزن الذي كان يهتم بالفن العربي في أوائل السبعينيات ، فانتبه العراقيون لهذا الكتاب خصوصا وأن العراق كانت تشهد آنذاك حركة ثقافية قوية و تتكفل باحتضان تظاهرات ثقافية وفنية بمشاركة مختلف بلدان الوطن العربي ، فتم تنظيم مهرجان الواسطي في أبريل 1971 الذي كنت قد توصلت بدعوة للمشاركة فيه عن منطقة المغرب العربي إلى جانب فنانين من العراق و لبنان و سوريا و مصر و فلسطين ، علما أن المغرب كان بعيدا في تلك الفترة عن الحركة التشكيلية العربية من الناحية التنظيمية ، في الوقت الذي كان هناك إطار تنظيمي يجمع فناني بعض الدول العربية يتمثل في جمعية اتحاد الفنانين العرب التي كان يترأسها الفلسطيني إسماعيل شموط . وقد تقرر حينئذ في العراق تنظيم معرض للفنون التشكيلية كل سنتين على غرار المعارض العالمية الشهيرة التي تُقام في فينيسيا و ساو باولو و نيودلهي تجمع الفنانين العرب و بعض فناني الدول الغربية . و بعد عودتي إلى المغرب تحدثت مع مجموعة من الفنانين التشكيليين المغاربة من بينهم فريد بلكاهية و كريم بناني و محمد شبعة و محمد القاسمي عن فكرة إحداث جمعية تكون هي المُخاطَب للجمعيات العربية الأخرى . و هنا لابد من إبداء ملاحظة مهمة ، و هي أنه كانت توجد في العالم العربي آنذاك جمعيات في حلة نقابة تجمع مختلف الفعاليات الفنية ما عدا لبنان و المغرب اللذان لم يكونا يتوفران على أي نقابة فنية أو جمعية تحت السلطة الإدارية . و للتوضيح ، فإن أول جمعية كانت تجمع فنانين مغاربة تم تأسيسها سنة 1962 و أول رئيس لها كان هو فريد بلكاهية و كانت تهدف إلى استضافة تظاهرات فنية تشكيلية فرنسية في المغرب و أقامت معرضا في فبراير 1963 في فضاءات الاوداية بالرباط أُطلق عليه اسم ” مدرسة باريس “ و قد كان آنذاك مولاي أحمد العلوي وزيرا للصناعة التقليدية و الفنون الجميلة ، لكن ما أن انتهى المعرض حتى أصاب الجمعية نوع من الفتور، فتخلى عنها بلكاهية ، ليقوم مجموعة من فناني مدينتي الرباط و الدار البيضاء من بينهم المكي مورسيا و مصطفى الرسام بإقناع محمد شبعة بتحمل مسؤولية رئاسة الجمعية ، وهذا ما تم في المؤتمر الذي انعقد في سبتمبر 1963 بمدينة الدار البيضاء . و قد كنت من بين من كانوا يطالبون بأن تقتصر الجمعية على الأعضاء المشهود لهم بالكفاءة بدل أن تبقى أبوابها مشرعة في وجه كل من هب و دب ، و هكذا فشل محمد شبعة هو الآخر في الذهاب بعيدا بهذه الجمعية بسبب عدم الانسجام بين الأعضاء و عدم التقارب في الرؤية و المستوى . وبعد عودتي من مهرجان الواسطي في أبريل 1971 وطرحي فكرة تأسيس جمعية على مجموعة من الزملاء ، و هي الفكرة التي جاء إسماعيل شموط إلى المغرب خصيصا لدعمها و تزكيتها ، قمنا بتأسيس الجمعية المغربية للفنون التشكيلية التي انتُخب كريم بناني أول رئيس لها إلى غاية 1976 و حللت محله في الرئاسة إلى غاية 1981 و هي السنة التي تحمل فيها بناني الرئاسة مرة أخرى إلى غاية 2003 .
■ ما هو الدور الذي تقوم به الجمعية المغربية للفنون التشكيلية ؟
■■ تقوم الجمعية من الناحية التنظيمية على استقطاب و احتضان مشاريع الفنانين ذوي الكفاءة و المهارة ، و هي في نفس الوقت إطار وطني يمد جسور التواصل و التحاور مع باقي التنظيمات الفنية العربية و الدولية . لكن المشكل هو أنه لما يجد بعض الأشخاص أنفسهم خارج هذه الجمعية بسبب تعارض طموحاتهم الذاتية المُبالغ فيها مع ضوابط الجمعية أو بسبب عدم توفرهم على الإمكانيات الفنية التي تخول لهم الحصول على موقع جيد داخل الجمعية ، يدّعون أنهم تعرضوا للتهميش و يسرعون بتأسيس جمعيات أخرى مثل ما قام به عبد اللطيف الزين عندما قام بتأسيس الجمعية الوطنية للفنون التشكيلية . إذن ، الجمعية المغربية للفنون التشكيلية لها دور تأطيري بالإضافة إلى كونها تعمل على تبليغ رسالة ذات بعد تحسيسي لتجنيب الفنانين التشكيليين من السقوط في بعض الممارسات التي تخل بالأهداف النبيلة التي جاء من أجلها الفن ، كما أنها تسعى لأن تكون دائمة الارتباط بما يجري في البلاد و يمكنها أن تتخذ مواقف إزاء ما يقع في الساحة الوطنية ، لأنها ستكون لسان حال الفنان الذي يجب أن يكون في اتصال قدر الإمكان مع محيطه الثقافي و السياسي و الاجتماعي والسياسي ، ومن شأن كل هذا أن ينعكس بشكل إيجابي على الطاقات الفنية الشابة التي يزخر بها المغرب و التي هي في حاجة إلى من يؤطرها و يوجهها و يأخذ بيدها .
■ تقومون الآن بمعرض جماعي بمدينة الرباط ابتدأ يوم 09 ديسمبر الجاري و سيستمر لمدة شهر بتنسيق مع منظمة ترانسبارانسي بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة الرشوة .و هذا يعني أن الفن التشكيلي يمكن أن يتجاوز وظيفته الجمالية و الفنية البحتة إلى الانخراط في فعل نضالي من شأنه تغيير السلوك البشري .
■■ بالضبط . فهذا المعرض الذي أشارك فيه رفقة 17 من الفنانين التشكيليين ، يعكس حقيقة المواقف التي لم تتردد جمعيتنا في اتخاذها ، و الرشوة من بين الآفات الخطيرة التي تنخر مجتمعنا و التي من الضروري أن يقول الفنان التشكيلي كلمته فيها عن طريق التضامن . و هذا المعرض نُظم من أجل بيع أعمال سيعود جزء من مداخيلها إلى الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة التي تقوم بدور فعال في هذا المجال ، و مبادرتنا هذه في فعل التضامن ليست جديدة إذ أن الجمعية المغربية للفنون التشكيلية عبر مسيرتها التي تصل إلى 33 سنة ، سبق لها و أن اتخذت مبادرات مماثلة بتضامنها في كثير من المناسبات مع الشعب الفلسطيني و مع يتامى حرب الصحراء المغربية و كنا دائما نتعاطف في مواقفنا مع القوى الديموقراطية و مع اليسار و نقول هذا علانية دون حرج و لا خوف من أي جهة كانت.
■ يبدو أن التجربة التشكيلية للفنان محمد المليحي تتسم في مجملها بالطابع التجريدي ، و هي السمة التي تهيمن على أعمال أغلب أعضاء الجمعية المغربية للفنون التشكيلية . لماذا التجريد بالضبط ؟
■■ أولا لأن المدرسة الفنية التشكيلية المغربية انطلقت من التجريد و هو اتجاه عالمي يعبر من خلاله الفنان عن مشاعره بواسطة رموز و خطوط و علامات دالة . و يجب أن لا ننسى أن هذا الفن كان منسجما مع الفن الإسلامي الذي لم يكن يعتمد على تصوير الأشخاص أو الحيوانات بشكل تشخيصي . أما الآن ، فحسب ما أرى ، حتى أعمال الرواد أصبحت تتخذ منحى تشخيصيا ، لكن بشكل مُضمر ، إذ لو تأمل المرء في لوحاتي للاحظ وجود أشكال لأجساد بشرية و بالخصوص جسد المرأة ، و نفس الشيء تجده في أعمال بلكاهية و بناني ، و تجد في أعمال بلامين أشكال أضرحة و مناظر طبيعية لكن بشكل تعبيري و هذا هو المهم . فإذا نظرت إلى المدرسة الجزائرية أو التونسية أو المصرية ستجد أن الاتجاه التشخيصي حاضر بقوة لكن المدرسة التعبيرية المغربية تمتاز بلغتها الفنية التشكيلية التي تمنحها طابعا خاصا يميزها عن باقي الأقطار العربية ، و هذا اختيار فني مرتبط بطبيعة الإنسان المغربي الذي لا يحب الثرثرة اللفظية و يفضل التعبير بواسطة الجسد و الحركة و الرقص و اللون و الزخرفة . لكن في الفترة الراهنة ، نلاحظ أنه وقع تصالح في أعمال الفنانين الشباب بين الشكل التشخيصي و بين الإنسان المغربي بسبب الانفتاح على التلفزيون و على الصورة الفوتوغرافية و على أدوات التوثيق و بالتالي لم يعد الإنسان يخجل من الصورة و لا ينفر أو يخاف منها . و بالتالي يمكن النظر إلى الطابع التجريدي التعبيري كخيار ثقافي فرضه نمط التفكير و الكيفية التي كان ينظر بها الإنسان المغربي إلى الفنون التشكيلية .
■ انطلقت الحركة الفنية التشكيلية في المغرب بما يسمى بالفن الساذج l’art naïf . كيف كنتم تنظرون أنتم كرواد الفن التشكيلي المعاصر إلى هذا الفن الذي يقوم على العفوية و التلقائية و على الموهبة الفطرية؟
■■ قبل الاستقلال كان هناك ثلاثة فنانين فقط معروفين في الساحة التشكيلية المغربية ، هم محمد بنعلال في مراكش ، و محمد الحمري و أحمد اليعقوبي في طنجة بحكم علاقتهما مع مجموعة من المثقفين الأنكلوساكسونيين الذين شجعوهما على ممارسة الفن التشكيلي آنذاك ، في الوقت الذي كنا نحن ما زلنا في مرحلة التكوين . و الفن الساذج هو فن مهم ، لكننا بعد الاستقلال دخلنا في نضال للبرهنة على أن الإنسان المغربي شخص يفكر و يبرمج و يخطط و لم يعد يتصرف بعفوية و كنا ندعم التفكير أكثر من دعمنا للعفوية . فإذا نظرنا إلى الطبيعة و إلى الفنون التراثية الشعبية ، نجد أنها كانت تقوم على السذاجة منذ أقدم العصور ، لكن المغرب كان يتطلب في مرحلة الاستقلال أن لا يقوم الفنان بإنتاج أي عمل إلا بعد تفكير و تأمل و اختمار ذهني ، خصوصا وأنه كان في تلك الفترة يسود الاعتقاد بان المغرب لا يمكن أن ينتج سوى فن ساذج و هو اعتقاد خاطئ حاربناه بقوة وقد عبرت عن ذلك بصراحة في مجلة ” أنفاس ” حين قلت بأن الفن الساذج لن يرقى في المغرب و ستكون حياته قصيرة ، و هذا ما حدث .
■ لكنك دافعت عن الفنانة الراحلة الشعيبية بقوة .
■■ الشعيبية استقطبناها إلى جوارنا ، وهي ليست فنانة ساذجة ، بل هي فنانة تعبيرية تدخل في نطاق مدرسة تقوم على التعبيرية العفوية لكنها لم تكن ترسم بنفس طريقة محمد بنعلال أو محمد الحمري أو أحمد اليعقوبي الذين عطف عليهم بعض الأجانب و أتاحوا لهم فرصة عرض أعمالهم في بعض القاعات فأصبحوا معروفين في الساحة التشكيلية المغربية .
■ على ذكر منطقة الشمال المغربي ، هناك من يرى بأن للشمال مدرسة خاصة في الفن التشكيلي تتمثل في أعمال خريجي مدرسة الفنون الجميلة بتطوان التي أسسها ماريانو بيرتوشي سنة 1946، أمثال عبد الكريم الوزاني وسعد بنشفاج و المكي مغارة ، و هي مدرسة تختلف في أسلوبها و منهجها مع أسلوب و منهج مدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء .
■■ محمد السرغيني و مريم أمزيان هما أول من تخرج من الأكاديميات الفنية الإسبانية . و أنا بالرغم من كوني أنتمي إلى منطقة الشمال ، فأنا لا أنتمي إلى مدرسة الشمال التشخيصية . فالشمال كان يسود فيه مناخ يساعد على إبراز نوع من الفن التشكيلي الذي كان يُدرس في مدرسة الفنون الجميلة بتطوان على النمط الأكاديمي الإسباني ، بينما لم يهتم الفرنسيون في المناطق التي كانت تحت نفوذهم بالتربية الفنية في جانبها الأكاديمي و كل من كانت تظهر لديه بعض المواهب الفنية كانوا يرسلونه إلى فرنسا كما فعلوا مع الغرباوي . و مدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء تأسست سنة 1953 في فترة النضال ضد الاستعمار الفرنسي بحيث لم تكن الأجواء هادئة تساعد على التركيز و لم يقصدها الطلبة المغاربة سوى ابتداء من سنة 1960 في الوقت الذي كانت فيه مدرسة تطوان في موقع الريادة .
■ ما موقع الفن التشكيلي المغربي في المشهد التشكيلي العالمي ؟
■■ فننا التشكيلي غير معترف به إطلاقا خارج المغرب و كل من يقول العكس لا يسعى سوى لتضخيم الذات . فنحن غير معروفين سوى من قِبل فئة قليلة جدا من النقاد الغربيين و من نخبة نادرة من الفنانين الأجانب ، و لا يمكن أن نقول بأنه لدينا موقعنا في الخارج سوى في اللحظة التي يصبح لدينا فيها سوق نصدر إليها أعمالنا خارج أرض الوطن .
■ في سنة 1998 كنت عضوا في لجنة دعم الإنتاج الوطني السينمائي . ما علاقة محمد المليحي التشكيلي بالسينما ؟
■■ نعم ، كنت عضوا في اللجنة التي كان يرأسها عمر أقلعي . و علاقتي بالسينما قديمة منذ أن كنت أدير شركة ” شوف ” للإنتاج السينمائي صحبة محمد بنعيسى الذي كان يتكلف بالإخراج و كنت أنا مسؤولا عن الجوانب التقنية ، و قد سبق لنا إنتاج عدة أفلام وثائقية و ما زلت أتوفر على البطاقة المهنية . لكني انقطعت عن الإنتاج السينمائي عندما اكتشفت حينئذ ، و كان ذلك سنة 1981 ، بأن المغرب غير مؤهل للانخراط في الإنتاج السينمائي بشكل جدي ، خصوصا و أني كنت مضطرا للاستعانة بمديري تصوير و مهندسي صوت من إيطاليا أو إنجلترا للحصول على حد أدنى من الجودة ، لكن المركز السينمائي المغربي كان يفرض علينا تحميض الأشرطة في مختبره الذي لم يكن في المستوى و كانت عملية المونطاج فيه تشوبها اختلالات كثيرة و بواسطة آلة واحدة يتناوب عليها مجموعة من السينمائيين . و أذكر أنني حين كنت أقوم بتوضيب شريطي الوثائقي حول إحصائيات 1981 كان حميد بناني ينتظرني في الخارج لتوضيب شريطه السينمائي ” صلاة الغائب ” .
■ لكن علاقتك بالسينما مازالت قائمة ما دامت مؤسسة منتدى أصيلة التي تشغل مهمة نائب كاتبها العام محمد بنعيسى ، قد عملت في يوليوز الماضي على تنظيم الملتقى الدولي الأول لسينما جنوب – جنوب الذي أشرف على إدارته الفنية الراحل غسان عبد الخالق .
■■ موسم أصيلة كانت دائما له علاقة بالسينما حيث قمنا بندوات متعددة حول السينما حضر فيها ألبرتو مورافيا و تابياني و إييتوري سكولا و الجيلالي فرحاتي و الإخوان الدرقاوي و عدد كبير من السينمائيين المغاربة و العرب و الأجانب و في سنة 1978 كنا قد وثقنا سينمائيا أول عملية رسم الجداريات في أصيلة شارك فيها الراحل محمد القاسمي و الميلودي والحريري و الغطاس و غيرهم .
■ ما هو مصير الملتقى الدولي لسينما جنوب – جنوب بعد رحيل غسان عبد الخالق ؟
■■ صحيح أن وفاة غسان عبد الخالق خسارة كبيرة ليست فقط لملتقى أصيلة السينمائي بل للسينما على العموم ، لأنه كان عالما بأمورها و خباياها و ملما بقضاياها و انشغالاتها . لكن أصيلة بالرغم من هذا المصاب الجلل الذي ألم بها في فقدانها أحد أصدقائها الأوفياء ، سوف لن تتخلى عن تنظيم هذا الملتقى السينمائي الذي نعتبره استكمالا لمشروعنا الثقافي الذي ابتدأناه منذ أكثر من 26 سنة ، و نحن في إطار البحث عن من سنفوض له هذه المسؤولية .