يونس الخراشي

 

الإصلاح؛ أي إصلاح، لا يكون بالغضب، ولا نتيجة للغضب. هو يأتي نتيجة اقتناع، وهذا يكون بالتفكير في الأسباب التي أدت إلى الانتكاسة، وفي آفاق التطور، والسبل إليهما.

ما حدث بالأمس، وهو نتيجة عادية في كرة القدم، تحدث لأي فريق، مهما كان كبيرا، لا ينبغي أن يكون لوحده مدعاة للتغيير؛ أي الإصلاح الذي يحتاج إليه الفريق؛ بل قل النادي (بشتى فروعه، وأين هي فروعه يا حسرة؟؟ الكرة الحديدية، كرة السلة، كرة اليد، السباحة، الكرة الطائرة ووو).

في مرة، كنت مع شخصية ودادية محبوبة جدا، ومن الجيل الثاني للمؤسسين، وسألته:”هل أنتم راضون عن القيادة الودادية؟”. لم يتكلم، بل تركني، بنظرة ذكية، أتمم بسؤال آخر:”هذا ناد كبير، ومرجعي. تأسس ليكون قدوة، فصارت لديه فروع غير كرة الماء، وكرة القدم، أنواع أخرى، بينها مثلا ألعاب القوى / فاطمة عوام رحمها الله، ولحسن صمصم عقا، وعبد المجيد مكاوي، وووووووو)، وكان على رأسه رجال يقام لهم ويقعد ليس في المغرب وحسب، بل وعالميا أيضا / محمد بنجلون أول مسؤول عن اللجنة الأولمبية الوطنية، وصاحب منصب يقارب وزير الرياضة، ورئيس مؤسس لجامعة الريكبي، وصاحب فضل كبير على الرياضة المغربية، والأب جيكو؛ محمد بلحسن العفاني، أول حاصل على ليسانس في الاقتصاد، ومتحدثبخمس أو ست لغات، وإعلامي، ولاعب، ومدرب، ورجل فذ، غني القلب، وبنرؤية بعيدة جدا، ومثال حي للتضحية)، فهل ترضون له أن يسير على غير هدى، وبقيادة كالتي تسيره منذ سنوات؟”. فاجأني كثيرا أن يقول لي:”أنت ترى النتائج، يصعب أن تغير في ظل النتائج الحالية”.

هذا هو التجسيد الواقعي لقولهم “شجرة تخفي الغابة”. فالوداد، ومنذ سنوات؛ وقلتها في مرة بـ”راديو مارس”، حين كنت ضيفا على الزميل حميد أمين، ببرنامجه “المريخ الرياضي”، كان يعيش الهشاشة، رغم أن البعض كان يرى عكس ذلك؛ بما أن الوضع كان يفيده، وبالتالي، فالسقطة كانت آتية لا ريب فيها، لا يتوقعها الذين يسبحون في الوهم.

ما بني على هشاشة لا يمكنه أن يتسمر، سيما في وجه الطقس السيء. وها قد جاءت رياح أكتوبر، لتعري تلك الشجرة، وتظهر من ورائها الغابة. وكم قلنا إن الوداد ضيع، في طريق البنيان الوهمي، من فرع، ومن طاقات، ومن جهد، ومن وقت، ومن إمكانيات ضخمة، لا يمكنها أن تثمر دون هيكلة متينة، وإدارة قوية، وأطر شابة تواقة للعطاء الحديث، بما يتناسب مع ناد مرجعي سبق عصره، وقاده رجال يقام لهم ويقعد.

إن الذي لا يُسمح به لأي ناد مرجعي؛ ولا أخص اسما بعينه، فالأندية المرجعية في المغرب معروفة، شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، أن يخرج عن سكة التحديث، والتطوير، والنمو، بتسيير عقلاني، وجاد، يعتمد الشفافية والحكامة الجيدة، ويمتح من التجارب المثلى، على اعتبار أنه، بفعل ما هو عليه من مرجعية، قدوة لغيره، وينبغي أن يبقى كذلك.

لا يهم أن يخسر الوداد، أو غيره، مباراة، أو مباريات. فهذا يقع. ووقع مرات ومرات. ولكن خسارة الأمس فرصتنا لفتح النقاش بخصوص الكرة في المغرب؛ والرياضة عموما. إن الوضع ليس على ما يرام، ومن يقول العكس واهم. وكنا نحضر عرض رئيس اللجنة الأولمبية، قبل أشهر، وقال هذا الكلام، وحذر من التواكل، ومن التأخر في الإصلاح. وذكر بالرسالة الملكية في مناظرة الصخيرات، يوم 24 أكتوبر 2008؛ وهي الرسالة التي حملها البعض على ظهره، ولم يحملها في قلبه، وصار عشاق الكراسي يستعملونها أكثر من غيرها مبررا لكي يواصلوا البقاء في مقاعدهم، دون أن يرف لهم جفن. مع أن الرياضة وجدت لخدمة أبناء الشعب، وكل الشعب، حتى يبقى سليما، وتتجنب الدولة بذلك مصاريف باهظة في الاستشفاء، وإيواء المساجين.

إن الذين لا يرون في كرة القدم، والرياضة عموما، سوى منجما يثريهم يسيئون إلى بلدهم. ويساعدهم على ذلك من يزينون لهم سيئاتهم، وسوء عملهم. والعقلاء، أينما كانوا، ينصتون للنقد البناء، ويعملون بالنصيحة، ويصلون، في نهاية المطاف، إلى النتائج المرجوة؛ وهي بناء أندية، وإسهام في بناء الوطن، الذي هو بحاجة، اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلى أبنائه العقلاء، ذوو الشهامة والمروءة، وليس من يبنون بيوتنا على مجاري الأنهار، فيأتي يوم لا بد تنهار.

لنلخص. نتيجة الأمس ليست شيئا. إنها تحدث، وستحدث. تحدث للأندية القوية، مثل الضعيفة. وارجعوا إلى التاريخ الحديث وغيره، وستكتشفون ذلك. ولكن حين تكون النتيجة مدعاة دليل ضعف، وجرسا للتغيير، فلا يتعين أن يحدث الإصلاح بغضب، ونتيجة للغضب، بل بتفكير، واقتناع. والأهم ألا يسند التغيير لمن كانوا سببا في الانتكاسة، وألا يكون مدعاة لإعدام إيجابيات المرحلة السابقة.

إلى اللقاء. وحظا سعيدا للرجاء الرياضي، ولنهضة بركان، ولكل الرياضة المغربية، دائما وأبدا.

يونس الخراشي: صحفي رياضي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *