الرباط: le12.ma

 

اللائحة المسربة للفنانين والمجموعات الغنائية التي استفادت من الدعم المالي لوزارة الثقافة أغاظت المغاربة. أطلعت على اللائحة فوجدت مبالغ مالية بالملايين وزعت على مغنين عدد كبير منهم لا علاقة له بالفن إطلاقا، وإنما هو الصراخ وأشياء أخرى. الغناء يتقنه كل شخص، الراعي والمسافر الوحيد والذي ينتظر موعدا في زاوية الشارع والمجنون. لكن الفن؟.

لا يوجد شيء يسقط هكذا على رؤوس الناس كالنيازك. بل هي السياسة تمشي بينكم في الزحام وتأخذ ما في جيوبكم بسبب التدافع.

إنها رؤية ليست جديدة، رؤية قائمة على نشر وتعميم التفاهة كرأسمال رمزي موزع بالتساوي باسم الانتماء الموحد، وخلق نماذج للتقليد لدى الشباب والمراهقين تصلح لسرقة المستقبل القريب.

لذلك جيء بالطفل المغني وتم منحه ثمانية ملايين سنتيم دعما له، ليكون نبراسا للشباب الراقص الذي يملأ الخشبة ضجيجا ويخلي ساحة التاريخ للدجالين.

ليس هذا موقفا من (من ماذا؟)، فلا مشكلة لدينا مع الفن، إنما الفن من الجمال والجمال آية من آيات الله في الدنيا، ولكن مشكلتنا مع التفاهة.

هذه المبالغ لا تعطى للمثقفين والمفكرين. إذا كانت وزارة الثقافة هي صاحبة هذا الدعم فنحن نتساءل ماذا قدمت الوزارة للثقافة المغربية؟ ماذا قدمت للتاريخ الوطني؟ أي جسر بنته لربط الناس بماضيها؟ أي نموذج خلقته في عقول الناس يصلح للبناء عليه؟ إذا كنا ندور حول محور القضية الوطنية مثلا منذ السبعينات، فماذا قدمت وزارة الثقافة ليكون لدينا على الأقل عشرة ملايين مواطن من أصل أربعين واعين بالقضية الوطنية؟.

عندما أمسك الاتحاد الاشتراكي بوزارة الثقافة في حكومة التناوب الأولى كان ما فعله هو إنشاء بدعة إسمها الأعمال الكاملة، الأعمال الكاملة لكتاب أغلبهم من الحزب لم يقدموا شيئا سوى خربشات يسمونها شعرا، لكنهم حصلوا على الأموال والطباعة المجانية.

ووضعت الوزارة مشروعا للنشر للشباب نشرت فيه الغث والسمين دون جدوى وبدون رؤية، كل ذلك بالمزاجية وبدون خطة وبهدر للمال العام.

الدولة تقطر الدعم للكتاب، لكنها تعطي بسخاء للمغني. والحال أن المغني والممثل يستفيدان من الدعم والعرض والإشهار والسهرات وغيرها، بينما المثقف ينتف شعره لكي يأتي من الخلف من يطن في أذنه عبارة النموذج المغربي. أي نموذج يا أخي والحكومة نموذج السياسة الفاشلة التي أخطأت موعدها مع التاريخ؟.

لذلك أنا أنظر إلى النموذج التركي بعين الإعجاب. تركيا أحيت ماضيها وبعثت الوجوه القديمة التي صار يعرفها كل عربي وليس المواطن التركي فحسب، أي أن التاريخ التركي هدم علينا الباب ودخل بيتا ليس فيه ولي الأمر. ماذا يملك المواطن الذي بلا تاريخ غير أن يحتضن تاريخا أتاه؟.

من يتذكر كلمة الحسن الداودي قبل سنوات عندما قال إنه لا حاجة إلى المواد الأدبية في الجامعة؟ هل يملك الداودي مساحة في المغرب؟ إنه مثلي ومثلك، لكنهم أخذوا لسانه وسبروا به رد الفعل. من ثم تفهم أن لا دخان بلا حريق.

قرأت عند البعض أنهم يقارنون هذا الدعم بما يتلقاه الأئمة والخطباء. هذا دليل على أن الناس تفهم الرسالة جيدا. كيف يمكن تقبل هذه المقارنة المجحفة بين حافظ القرآن وحافظ الدور؟.

هذه العطاءات التي نراها هنا وهناك، في بلد لا ينتج، ثلثه عاطل وثلثه عاجز وثلثه مهمش، تدل على أن بلدنا بلد غني. هناك أموال وديوان عطاء، لكننا غير قادرين على تحويل تلك الأموال إلى وسيلة لجلب محبة الناس. نعم، العطاء يؤلف القلوب، لكن أصحاب القلوب.

*ادريس الكنبوري مفكر مغربي         

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *