مصطفى قسيوي

موازاة مع إنعقاد الاجتماع الشهري لحزب العدالة والتنمية الذي يخصصه لمناقشة مجموعة من القضايا من بينها تقييم مساهمة الحزب في المجهود الوطني لمواجهة كورونا ومشاوراته الانتخابية مع وزارة الداخلية الى جانب باقي الأحزاب حول المنظومة الانتخابية وتحضيراته لهاته الاستحقاقات، خرجت القيادية بالحزب آمنة ماء العينين بتدوينة فيسبوكية، تشكك فيها في قدرة حزبها على تصدر الإنتخابات المقبلة، كما إنتقدت تسريب النقاش الداخلي للحزب حول مسألة تقليص المشاركة في الانتخابات، وقدمت النائبة البرلمانية والقيادية البيجيدية وصفتها للتوجه نحو انتخابات سنة 2021 .

وكتبت ماء العينين على حائط صفحتها الرسمية بموقع “الفايسبوك”، “كنت شخصيا من أوائل من طرحوا السؤال علانية: ما هي رهانات حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة؟ هل يسعى لتصدرها أم أن له رهانا آخر؟ لازلت مقتنعة أن السؤال مشروع، وأن النقاش حول الموضوع نقاش جدي وحقيقي”، غير أن المؤسف هو هذا القدر من السطحية والاستعجال الذي تم به تسريب النقاش إلى الصحافة من مدخل ضيق، ومقاربة تقنية تبسيطية تنبئ عن غير قليل من العجز عن تعميق النقاش: تقليص المشاركة في الانتخابات من عدمه، هل نغطي كل الدوائر؟ أم نختار الترشيح في بعضها كما فعل الحزب ذات انتخابات في سياق مختلف؟

وتجيب ماء العينين على تساؤلاتها بتدوينتها التي عنونتها بـ” حزب العدالة والتنمية والانتخابات المقبلة” ،  قائلة، بكل وضوح : “لا أظن أن هذا هو السؤال الصحيح، وإذا كان حزب العدالة والتنمية – وهو بالتأكيد كذلك – مسكونا بما سيصلح للمغرب في المرحلة المقبلة، فالسؤال يجب أن يتجه إلى الإختيار الجماعي الذي سيؤطر المرحلة المقبلة بمضمون سياسي محسوم” .

وأضافت ماء العينين: “سبق لي وأن تحدثت عن ضرورة التفاوض الجماعي للوصول إلى تسوية حقيقية تؤطر المرحلة المقبلة، حيث لا يتحمل الوضع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا التوجه للانتخابات المقبلة في نفس أجواء الصراع وكسر العظم التي حكمت الانتخابات الأخيرة، والتي أفرزت البلوكاج السياسي كجواب طبيعي عن منافسة لم تُقبل نتائجها بالنظر إلى نفَس الصراع العنيف الذي حكمها، لكننا نحتاج الى فهم دقيق لمعنى التفاوض والتسوية، وهي مفاهيم ليست غريبة عن البيئة الديمقراطية، لأن التسويات الكبيرة هي توافق على المبادئ العامة المؤطرة، ثم يأتي التنافس الانتخابي على ما هو تحتها أو أصغر منها: البرامج الانتخابية، الاختيارات الايديولوجية والتقنية… التفاوض والتسوية في ظل مناخ سياسي هش يحكمه الفراغ ويفتقد إلى نخب قوية، لا يتجسد في إرسال “الإشارات” بالرغبة في تقليص المشاركة الانتخابية حتى لا يحصل الحزب على المرتبة الأولى، كما أن معنى التفاوض والتسوية لا يكمن في إصدار بلاغات التكذيب أو التصريحات والتصريحات المضادة، هذا كله لن ينفع في شيء ، تقول صاحبة التدوينة ، مشيرة الى أن السؤال الحقيقي هو: هل سيستفيد المغرب من تصدر حزب العدالة والتنمية للانتخابات المقبلة؟ إذا كان الجواب نعم فالسؤال هو: بأي مضمون سياسي وبأي أطروحة وبأي عرض جديد وبأي نخبة جديدة لإخراج البلاد من نفق الانتظار؟”.

“وإذا كان الجواب بالنفي”، تضيف المدوّنة، “فما هو البديل المطروح حتى اقتنع بعض قياديي الحزب بالمغامرة المبكرة بتسريب نقاش تقليص المشاركة بما يحمله ذلك من معنى يحتاج إلى نقاش كبير ؟”.

“أظن أن الجواب عن سؤال المرحلة المقبلة غير متحصل ولم ينضج بعد، لا داخل حزب العدالة والتنمية ولا داخل دهاليز الدولة، وما دام هذا النقاش قد تفجر من خلال حزب العدالة والتنمية ومشاركته الانتخابية، رغم أنه ليس إلا فاعلا في مربع يضم فاعلين أكثر تأثيرا وكذلك أقل تأثيرا، فإنه مع ذلك –  أي الحزب – مسؤول من موقعه على الرفع من مستوى النقاش ليغادر دائرة الاحصائي والتقني (عدد المقاعد والتراتبية الانتخابية) ليخوض في العمق: ما الذي يريده المغرب لنفسه في المرحلة المقبلة؟ ما هي الخيارات المطروحة في ظل التحديات الداخلية والخارجية؟ ما هي التسويات الكبرى التي يمكن أن تؤطر تحرك الفاعلين بأفق وطني تضامني دون المس بالقواعد الديمقراطية أو التلاعب بالرصيد الديمقراطي الهش؟ تفاوضات وتسويات ما قبل الانتخابات تستند إلى قاعدة نظرية، وليس إلى منطق السوق في البيع والشراء وحسابات الربح والخسارة الصغيرة“.  حسب التدوينة.

واختتمت ماء العين تدوينتها بما يشبه الوصفة السحرية القادرة على تمكين العدالة والتنمية من تصدر الانتخابات المقبلة، قائلة “على حزب العدالة والتنمية أن يفتح مؤسساته للنقاش الذي تحتضنه اليوم وسائل الإعلام وتغذيه التسريبات، لأن الأمر غير سليم، وعلى الحزب أن يتسلح بالجرأة اللازمة لتقييم حصيلة عشر سنوات من تدبيره للشأن الحكومي، وعليه أن يتسلح بالإرادة للدفاع عن نجاحاته ومكتسباته، وبالجرأة والتجرد اللازمين ليعترف بأخطائه ونقائصه وحدوده،  غير أن الأهم من هذا وذاك هو المضمون السياسي المؤطر، فبدونه لن يكون هناك فرق كبير بخصوص من يتصدر الانتخابات، حيث أصبحت حالة الركود العام وانحسار النقاش السياسي وغياب الأطروحات والاختيارات المنهجية، تشي باقتراب الكل من الكل، وتشابه الجميع مع الجميع، فلا فرز ديمقراطي ولا انحيازات سياسية كبرى ولا تقاطبات على خلفية قضايا واختيارات جامعة… الكثير من الجمود والصمت والفراغ الذي تؤثثه مناقشات سطحية لقوانين انتخابية من قبيل انماط الاقتراع والعتبات وتمثيليات الشباب والنساء…. نحن لم نحسم في العمق لنتجه إلى السطح. . والخوض في القضايا التقنية والثانوية هو نزوع للسهولة تختاره النخب السياسية حينما تكون عاجزة عن مجابهة الأصعب: قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية والاجتماعية بعد الحسم في الاختيارات الكبرى”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *