حكيم عنكر

حرص  الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، في مستهل زيارته الثانية للبنان، على الذهاب رأسا إلى بيت المغنية فيروز. هل يصح في حالة فيروز أن نقول: الفنانة، أم المغنية،أم المؤدية، أم وصفا آخر، لشدة ما ابتذلت الكلمات.

ذهب، ليعطي لزيارته السياسية، التي تأتي لتنصيب الحكومة اللبنانية الجديدة، بعد تفجير المرفأ، ليعطيها بعدا رمزيا وثقافيا.

ففيروز أرخت للحرب والسلم في أغانيها، وحلمت بلبنان السلام، ذلك الأمل الذي كان معفرا بدماء الحرب الأهلية، والمؤامرات الطائفية، والاحتلال الإسرائيلي. لقد كان قدر الجغرافيا السيئ الحظ، أكبر من الأحلام بالسلام.

ولكن، لا بد للحلم أن ينتصرا في النهاية، ويلوذ المتحاربون إلى “استراحة المحارب”.

ليست المرة الأولى التي تحظى فيها فيروز باهتمام رئاسي فرنسي، فقبل ماكرون كانت  فيروز  قد  نالت إعجاب رؤساء فرنسيين آخرين. فقد منحها الرئيس فرانسوا ميتران وسام قائد الفنون والآداب عام 1988 ومنحها الرئيس جاك شيراك وسام فارس جوقة الشرف عام 1998.

كل هذه الاحتفاءات جاءت في أوقات حساسة، كان يخرج منها لبنان، أهمها ويلات الحرب الأهلية ومخلفاتها، التي ما تزال تلاحق البلد حتى الآن.

جاء ماكرون، لينصب الحكومة الجديدة، حكومة الضرورة القصوى والسرعة النهائية، فالوقت لا يسمح وليس في صالح لبنان زمن رحيم، كما  قال ماكرون.  وقد حرص على أن يأتي من باريس، وكل الأوراق مرتبة، بما فيها الزيارة الرمزية. لقد كانت فرنسا دائما تعرف بحذاقة كيف تشتغل على الجوانب الثقافية، وتعمل على استثمارها.. إنها لعبة القوة الناعمة التي تجيدها منذ كلود لفي ستراوس إلى الآن.

ماذا قالت له المغنية  الثمانينية(86 عاما)، واي حديث أسرت له؟ قال ماكرون، باقتضاب للصحافيين، لقد أوصتني بلبنان، وأنا عاهدتها على العمل لصالحه.

في المقام الثاني، لا أحد تذكر السيدة المحتجبة عن الأنظار منذ مدة طويلة، ولا سياسي واحد من هؤلاء، الذين يملؤون الفضاء الإعلامي فكر في مثل هذه الزيارة “الكريمة” لرمز وطني وعربي كبير.

تناساها الجميع في صراع لعبة المصالح، هي التي غنت للبنان وبيروت ولفلسطين وللعرب.

كل ما كانوا يفعلونه: السباق إلى نعيها كل مرة، كأنما ليتخلصوا من ماض مقلق، أو ميراث ثقيل.

إلى ان جاء الغريب ليعلمنا “الأدب”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *