إدريس الكنبوري

قضية الموت قضية غريبة جدا في الحياة الإنسانية. في غاية الغرابة. وعلاقة الإنسان بالموت في غاية التعقيد، ومن هذا التعقيد المركب أنك تجد جميع الحضارات والثقافات والآداب والأساطير تحدثت عن الموت، بينما لا أحد يعرفها لأن لا أحد ذاق طعمها وذهب ثم عاد ليروي لنا قصة سفره.

وقد كتب الكثير عن الموت في العصر الحديث خصوصا في الفلسفة الغربية والشرقية. وهام فلاسفة الغرب مع تخرصاتهم في شيء لا يفقهون فيه ولم يعرفوه، لكنها شجاعة العقل البشري الرائع الذي يخوض مغامرات فكرية تافهة أحيانا ويدع ما هو أمامه. وقد قال الأصفهاني صاحب”الأغاني” أمس في المجلد الأول إن لذة المنتقل إليه – بفتح القاف – تفوق لذة المنتقل منه. أي أن الإنسان مجبول طبعا وخلقا على الملل مما هو فيه والتطلع إلى ما ليس فيه، لذلك قيل إن كل غامض مرغوب. من هنا ظهرت المغامرات التي أصبحت فنا وعلما.

ولكن تاريخ المسلمين في علاقتهم بالموت عجيبة من زاوية أخرى. كان الصحابة والصالحون يعتبرون الموت لقاء بالله سبحانه وكانوا يتطلعون إلى هذا اللقاء بشغف. ومما يروى من هذه العجائب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما طعن طعنة الموت بعث ابنه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إلى عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها يسألها هل يمكنه أن يدفن بجانب صاحبيه، أي النبي والصديق رضي الله عنه، فذهب عبد الله ورجع بما تطمئن به نفس صاحب الدرة فقال: الحمد لله.

فهذه قصة عجيبة وهي أن الخليفة الثاني يدرك أن صحبة الدنيا هي صحبة الآخرة وأن هناك اليقين وأن الموت إغماضة يعقبها صحو دائم.

وقصة أخرى هي قصة الصحابي الجليل بلال الحبشي. مرض مرض الموت وعندما حضر وقت احتضاره بكت زوجته فنهرها وقال مبتهجا: غدا نلقى الأحبة، محمدا وصحبه.

كانوا يعتبرون أن المكان الذي سيذهبون إليه أفضل من المكان الذي هم فيه، فكان خيرهم كبيرا وخلقهم رفيعا، ونحن اليوم نعتبر الدنيا المكان الوحيد الأفضل من جميع الأمكنة، لذلك نتدافع مثل الدواب على الدنبا ونتقاتل ونصعد فوق بعضنا البعض حتى تأتينا بغتة فيتوقف كل شيء. فاللهم إنا نسألك اليقين بما في يديك أكثر منه مما في يد غيرك.

*مفكر مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *