إدريس الكنبوري

كنت أتحدث إلى صديق عزيز عبر الهاتف قبل ساعات اتصل بي من خارج المغرب، وتناول الحديث قضايا بينها قضية ما يسمى أدب الجوائز. وقد عبر لي الصديق عن امتعاضه من هيمنة هاجس الحصول على الجوائز لأن هذا التسابق على الجوائز والخليجية بالخصوص أصبح في الكثير والكثير من الحالات على حساب الإبداع النوعي وعلى حساب الأخلاق الثقافية، علما بأن المجال الثقافي المغربي هو أكثر المجالات التي تغيب فيها الأخلاق، وهو المجال الأساسي الذي تجد فيه المنظرين للأخلاق، وتلك مفارقة سوريالية.

والحقيقة أن التسابق على الجوائز نشر موضة الكتابة تحت الطلب، فتجد بعضهم يكتب بهوس عن الجنس بطريقة فضائحية لكي يثير الاهتمام وينعت بأنه يخرق الطابوهات، وبعضهم يسرق من هنا وهناك و”يؤلف” كتابا، والتأليف هنا بمعنى اللصق والجمع.

ولكن ظاهرة أدب الجوائز لها انعكاسات خطيرة على الثقافة مع الزمن، لأنها تجعل لك سقفا يقلده الراغبون في الفوز، مثل الموضة الغنائية مثلا، وبذلك تنتشر التفاهة.

وليس الفوز دليلا على التميز، بل بالعكس. فمن ناحية هناك المحاباة وهي موجودة، وكان فيصل دراج قد كشف في مقال له عن أمور غريبة حصلت عندما كان عضوا في لجان عدة جوائز. ثم هناك ثانيا مستوى الأشخاص الذين هم أعضاء اللجان، ولا أعني ضعف مستواهم بل أعني أن بعضهم قد لا يكون له ميل إلى نوعية معينة من الكتابة، أو ليس له ذوق حقيقي، أو له خلفية ثقافية معاكسة للعمل الخاضع للتحكيم، وهناك أيضا من ليست له دراية وتم تعيينه فقط من باب الزمالة أو الصداقة أو الرغبة في أن يحصل على التعويض المادي، وبعضهم يطلب تلك العضوية ويسعى لها بالواسطة.

ثم رابعا هناك الجانب الأهم وهو الاطلاع على كل الأعمال المرشحة، إذ كيف يعقل أن يتم تحكيم 50 ألف عمل مثلا في ثلاثة أو أربعة أشهر في لجنة من ستة أعضاء، بل حتى لو كانوا عشرة آلاف عضو.

زد على ذلك أن الأعمال الجيدة قد لا يهتم بها أحد أحيانا بسبب الجدة أو الايديولوجيا أو النوازع الشخصية.

ويحدثنا تاريخ الأدب والثقافة مثلا في الغرب أن الكثير من الأعمال العظيمة تم الاعتراض عليها من طرف لجان كان بها أعضاء معروفون. على سبيل المثال رواية”أوليس” للايرلندي حيمس جويس التي يقال إنها ثاني عمل أدبي عظيم بعد الالياذة، في الغرب طبعا، تم رفضها من طرف الناشر بتوصية من لجنة القراءة. وغير ذلك كثير. بل إن رواية”اسم الوردة” لامبرتو إيكو اعترض الناشر الفرنسي عن نشر الترجمة الفرنسية لها لولا أن زوجته كانت ايطالية مثل ايكو واقنعته بنشرها، فصارت أكثر الروايات المترجمة إلى الفرنسية شهرة وطبعت منها ملايين النسخ. وموقف سارتر معروف عندما رفض جائزة نوبل وقال إن الأعمال السيئة هي التي تنال الجوائز.

ومن المظاهر الملفتة أن كثيرا من الذين يحصلون على الجوائز يختفون بعد عمل أو عملين فلا تسمع عنهم بعد ذلك إلا عرضا. وهناك كتاب كبار لكنهم لا يتقدمون إلى الجوائز لأنهم يعرفون أنهم قد يتعرضون للإذلال.

وأخيرا قليلون هم الذين تبقى أعمالهم الفائزة رائجة لأنها تكون موسمية فقط، بينما لا تزال أعمال الكتاب الكبار تنتشر دائما مثل أعمال منيف ومحفوظ والكيلاني ومينة وبهاء طاهر وصنع الله وغيرهم ممن لم يحصل على الجوائز أو لم يتقدم لها.

ولكن الجوائز الأدبية والثقافية غالبا ما تريد خدمة سياسة معينة على حساب الجودة. فقبل أزيد من عشر سنوات فازت رواية عنوانها”ترمي بشرر” لروائي سعودي اسمه عبده خال. وقرأت الرواية صدفة لأن صديقا “نصحني” بقراءتها. فوجدت نصا تافها مليئا بالأخطاء في الكتابة والجفاف اللغوي، ثم أدركت بأنه حصل على الجائزة لأن الرواية تتحدث عن الشذوذ الجنسي في السعودية ويراد أن يظهر نوع من الانفتاح في المجتمع السعودي انذاك.

وقد عرف العرب الانفتاح بأنه الكارثة، وكان السلطان المولى سليمان يعاني مع اوروبا بسبب دفعه إلى الانفتاح الاقتصادي، وخربت إسرائيل الاقتصاد المصري بسبب الانفتاح الذي جاء به السادات، وهناك اليوم من يريد القضاء على ما بقي من العرب الأقحاح بدعوتهم الى الإصلاح والانفتاح على النماذج الملاح.

*كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *