le12.ma-وكالات

 

أصبح من الواضح الآن أن العديد من مرضى “كوفيد-19” تظهر عليهم أعراض عصبية، من فقدان حاسة الشم إلى الهذيان وزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية.

وهناك أيضا عواقب طويلة الأمد على الدماغ، بما في ذلك التهاب الدماغ والنخاع العضلي/متلازمة التعب المزمن ومتلازمة “غيلان باريه”.

وقد تحدث هذه الآثار بسبب العدوى الفيروسية المباشرة لأنسجة المخ. ولكن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن الإجراءات الإضافية غير المباشرة الناتجة عن عدوى الفيروس للخلايا الظهارية والجهاز القلبي الوعائي، أو من خلال جهاز المناعة والالتهابات، تساهم في تغييرات عصبية دائمة بعد “كوفيد-19”.

وأثناء مسح الأدبيات العلمية الناشئة، سألت ناتالي سي ترونسون، عالمة الأعصاب المتخصصة في كيفية تكوين الذكريات والأستاذة المساعدة في علم النفس بجامعة ميشيغان: “هل ستكون هناك موجة مرتبطة بـ “كوفيد-19” من عجز الذاكرة والتدهور المعرفي وحالات الخرف في المستقبل؟.

ترجع العديد من الأعراض التي ننسبها إلى العدوى، إلى الاستجابات الوقائية لجهاز المناعة. ولا يعد سيلان الأنف أثناء نزلات البرد تأثيرا مباشرا للفيروس، ولكنه نتيجة لاستجابة جهاز المناعة لفيروس البرد. وهذا صحيح أيضا عندما يتعلق الأمر بالشعور بالمرض. ويحدث الضيق العام والتعب والحمى والانسحاب الاجتماعي نتيجة تنشيط الخلايا المناعية المتخصصة في الدماغ، والتي تسمى خلايا المناعة العصبية، والإشارات في الدماغ.

وهذه التغييرات في الدماغ والسلوك، على الرغم من أنها مزعجة لحياتنا اليومية، فهي تكيفية للغاية ومفيدة. ومن خلال الراحة، فإنك تسمح للاستجابة المناعية التي تتطلب الطاقة، بالقيام بعملها.

وتؤدي الحمى إلى جعل الجسم غير مضياف للفيروسات، وتزيد من كفاءة جهاز المناعة. وبالإضافة إلى تغيير السلوك وتنظيم الاستجابات الفسيولوجية أثناء المرض، يلعب الجهاز المناعي المتخصص في الدماغ أيضا عددا من الأدوار الأخرى.

وأصبح من الواضح مؤخرا أن الخلايا المناعية العصبية الموجودة عند المشابك بين خلايا الدماغ، والتي توفر الطاقة وكميات دقيقة من الإشارات الالتهابية، ضرورية لتكوين الذاكرة الطبيعية.

ولسوء الحظ، يوفر هذا أيضا طريقة يمكن أن تسبب بها أمراض مثل “كوفيد-19″، أعراضا عصبية حادة ومشكلات طويلة الأمد في الدماغ.

وأثناء المرض والالتهاب، تنشط الخلايا المناعية المتخصصة في الدماغ، وتطلق كميات هائلة من الإشارات الالتهابية، مع تعديل طريقة تواصلها مع الخلايا العصبية.

وبالنسبة لنوع واحد من الخلايا، الخلايا الدبقية الصغيرة، فإن هذا يعني تغيير الشكل، وتغلف خلايا متحركة مسببات الأمراض المحتملة أو حطام الخلية في مسارها. ولكن، بفعلها ذلك،  تدمر وتلتهم المشابك العصبية المهمة جدا لتخزين الذاكرة.

ويلتف نوع آخر من الخلايا المناعية العصبية يسمى الخلايا النجمية، عادة حول الاتصال بين الخلايا العصبية أثناء التنشيط الذي يثيره المرض، ويقذف الإشارات الالتهابية على هذه التقاطعات، ما يمنع بشكل فعال التغييرات في الاتصالات بين الخلايا العصبية التي تخزن الذكريات.

ونظرا لأن “كوفيد-19” ينطوي على إطلاق هائل للإشارات الالتهابية، فإن تأثير هذا المرض على الذاكرة مثير للاهتمام بشكل خاص. وذلك بسبب وجود تأثيرات قصيرة المدى على الإدراك (الهذيان) وإمكانية حدوث تغييرات طويلة الأمد في الذاكرة والانتباه والإدراك.

وهناك أيضا خطر متزايد للإصابة بالتدهور المعرفي والخرف، بما في ذلك مرض ألزهايمر أثناء الشيخوخة.

– كيف يؤثر الالتهاب طويل الأمد على الذاكرة؟

إذا كان تنشيط خلايا المناعة العصبية يقتصر على مدة المرض، فكيف يمكن أن يتسبب الالتهاب في حدوث عجز طويل الأمد في الذاكرة، أو يزيد من خطر التدهور المعرفي؟.

تطور كل من الدماغ والجهاز المناعي على وجه التحديد للتغير كنتيجة للتجربة، من أجل تحييد الخطر وزيادة البقاء على قيد الحياة. وفي الدماغ، تسمح لنا التغييرات في الاتصالات بين الخلايا العصبية، بتخزين الذكريات وتغيير السلوك بسرعة للهروب من التهديد.

وتطور الجهاز المناعي لضبط الاستجابة الالتهابية وإنتاج الأجسام المضادة ضد مسببات الأمراض، التي سبق اكتشافها.

ومع ذلك، فإن التغييرات طويلة الأمد في الدماغ بعد المرض، ترتبط ارتباطا وثيقا بزيادة خطر التدهور المعرفي المرتبط بالعمر ومرض ألزهايمر. ويمكن أن تؤدي الإجراءات التخريبية والمدمرة لخلايا المناعة العصبية والإشارات الالتهابية، إلى إضعاف الذاكرة بشكل دائم.

ويمكن أن يحدث هذا من خلال التلف الدائم للوصلات العصبية أو الخلايا العصبية نفسها، وأيضا من خلال تغييرات أكثر دقة في كيفية عمل الخلايا العصبية.

وتستند العلاقة المحتملة بين “كوفيد-19” والتأثيرات المستمرة على الذاكرة، إلى ملاحظات الأمراض الأخرى. على سبيل المثال، يفيد العديد من المرضى الذين يتعافون من نوبة قلبية أو جراحة مجازة، بعجز إدراكي دائم يصبح مبالغا فيه أثناء الشيخوخة.

وهناك مرض رئيسي آخر له مضاعفات معرفية مماثلة، وهو الإنتان – خلل وظيفي متعدد الأعضاء يسببه الالتهاب. وفي النماذج الحيوانية لهذه الأمراض، نرى أيضا ضعفا في الذاكرة، وتغيرات في وظائف المناعة العصبية، تستمر لأسابيع وشهور بعد المرض.

وحتى الالتهاب الخفيف، بما في ذلك الإجهاد المزمن، يُعرف الآن بأنه عامل خطر للخرف والتدهور المعرفي أثناء الشيخوخة.

وتبين أنه حتى من دون عدوى بكتيرية أو فيروسية، فإن إطلاق الإشارات الالتهابية على مدى فترة قصيرة، يؤدي إلى تغييرات طويلة الأمد في وظائف الخلايا العصبية في مناطق الدماغ المرتبطة بالذاكرة وإضعاف الذاكرة.

– هل يزيد “كوفيد-19” من خطر التدهور المعرفي؟

ستمر سنوات عديدة قبل أن نعرف ما إذا كانت عدوى “كوفيد-19” تسبب زيادة خطر التدهور المعرفي، أو مرض ألزهايمر.

وتعتمد الوقاية والعلاج على حد سواء على القدرة على تقليل شدة ومدة المرض والالتهاب. ومن المثير للاهتمام أن بحثا جديدا يشير إلى أن اللقاحات الشائعة، بما في ذلك لقاح الإنفلونزا ولقاحات الالتهاب الرئوي، قد تقلل من خطر الإصابة بمرض ألزهايمر.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من العلاجات الناشئة لـ “كوفيد-19″، هي العقاقير التي تثبط التنشيط المناعي المفرط والحالة الالتهابية، ومن المحتمل أن تقلل هذه العلاجات أيضا من تأثير الالتهاب على الدماغ، وتحد من التأثير على صحة الدماغ على المدى الطويل.

وسيستمر “كوفيد-19” في التأثير على الصحة والعافية لفترة طويلة بعد انتهاء الوباء. وعلى هذا النحو، سيكون من الضروري الاستمرار في تقييم آثار المرض، في التعرض للتدهور المعرفي اللاحق والخرف.

ومن خلال القيام بذلك، من المرجح أن يكتسب الباحثون نظرة جديدة حاسمة حول دور الالتهاب عبر مدى الحياة، في التدهور المعرفي المرتبط بالعمر. وسيساعد هذا في تطوير استراتيجيات أكثر فعالية للوقاية والعلاج من هذه الأمراض المنهكة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *