سناء القويطي

لم يكن الشابان نهيلة ومحمد يعتقدان أنهما على موعد مع عدلين امرأتين لعقد زواجهما عندما دلفا إلى مكتب العدول الموحد بالقنيطرة، فعقد الزواج كما هو معروف في المغرب يكون على يد رجلين عدلين.

تراجع العدل الموثقة سناء بركان وزميلتها سعيدة زيهار الأوراق المرفقة بطلب الزواج قبل الشروع في توثيق زيجة نهيلة ومحمد، حيث بدأتا عملهما في هذا المكتب منذ حوالي شهر بعد تخرج أول فوج نساء عدول، ليبدآ مسارهما في مهنة كانت مرتبطة دائما بالرجال.

وقرر المغرب في يناير 2018 السماح للمرأة بمزاولة مهنة “عدل” بتعليمات ملكية وفتوى علمية من المجلس العلمي الأعلى (هيئة دينية رسمية).

وأدى أول فوج من العدول -يضم نساء- اليمين القانونية أمام مختلف محاكم الاستئناف الشهر الماضي بعد سنة من التكوين والتدريب، وبدأت 299 امرأة في مباشرة المهنة رسميا في مختلف مدن المملكة.

حدث غير مسبوق

تقول نهيلة عن لحظة عقد قرانها إنها “غريبة وفريدة”، وتضيف للجزيرة نت “أحببنا الفكرة وأحسسنا بأنها مختلفة“.

وقررت نهيلة نشر صورها لحظة توثيق زواجها من طرف عدلين امرأتين على مواقع التواصل باعتبارها حدثا غير مسبوق ويستحق الاحتفاء، خاصة أنها -كما تقول- تدعم مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة وتؤمن بقدرة نساء بلدها على النجاح في كافة التحديات.

وهي تكتب عقد الزواج، تبدو سناء بركان متحمسة وجدية في أداء عملها، فهي ترى أن على المرأة إثبات جدارتها واستحقاقها في هذه المهمة الجديدة التي أوكلت لأول مرة للنساء ما جعل الأنظار مصوبة عليهن.

المستحيل صار ممكنا

تخرجت سناء في كلية الحقوق بمكناس بشعبة القانون الخاص، وعملت في إدارة مكتب للتوثيق العدلي لسنوات. تعرفت خلال تلك الفترة على مهنة العدول عن قرب، وحلمت بيوم تحمل فيه صفة عدل رغم علمها باستحالة ذلك بسبب حصرها على الرجال.

ووجدت هذه الشابة في قرار السماح الملكي للنساء بولوج هذه المهنة كسرا لتابوهات قديمة وبابا لتحقيق حلمها المستحيل.

بعد نجاحها في مباراة (اختبار أو امتحان) ولوج مهنة العدول ضمن أول فوج يضم نساء، خضعت سناء لتدريب نظري لمدة ستة أشهر بالمعهد العالي للقضاء بالرباط ثم تدريب لشهرين في محكمة الاستئناف وبعدها تدريب عملي لأربعة أشهر في مكتب للتوثيق العدلي قبل أن تتخرج منتصف يونيو وتصبح عدلا موثقة بالقنيطرة.

صعوبات البدايات

وأبرمت سناء وزميلتها سعيدة زيهار عدة عقود زواج بعد التحاقهما بمكتب العدول الموحد الذي يضم حوالي 50 عدلا، وتقول سعيدة للجزيرة نت إن عملهما ضمن مكتب جماعي يضم خبرات وأجيالا مختلفة ساعدهما في تذليل صعوبات البدايات الأولى بالمهنة.

وتضيف “عندما يقصد المواطن مكتب العدول الموحد لا يفرق بين امرأة أو رجل عدل لأن قواعد العمل واحدة، والمواطن يجد طلبه لدى أي عدلين وقع اختياره عليهما.. المهم إتقان العمل وليس جنس من يقوم به“.

ولا تخفي سناء بركان الهواجس والمخاوف السابقة بشأن تعامل المواطنين مع عملها بعد التخرج، غير أن تلك الهواجس سرعان ما تبددت بعد شروعها في العمل واحتكاكها المباشر بالناس.

العدول.. مهنة تتأنث

وتعتبر مهنة العدول من أقدم المهن في المغرب، إذ يرتبط ظهورها بدخول الإسلام للبلاد وتأسيس أول دولة إسلامية منذ أكثر من 12 قرنا، ومورست المهنة دائما من طرف الرجال، إذ يشترط فقهاء المالكية الذكورة في العدلين كونهما يشهدان على العقود مثل الزواج والطلاق، وهو الشرط الذي تضمنه أول قانون ينظم مهنة العدول.

وبينما يختص العدل أي المأذون الشرعي في المشرق العربي بكتابة عقد الزواج ويشهد عليه شخصان آخران من عامة الناس، فإن الأمر في المغرب مختلف، حيث يقوم رجلان عدلان بمهمتي كتابة العقود والشهادة عليها أيضا، ومع تأنيث المهنة أصبحت امرأتان تقومان بالمهمتين.

وتوضح العدل الموثقة سعيدة زيهار أن العدل في المغرب لا يختص فقط بكتابة عقود الزواج والطلاق وغيرها من العقود المرتبطة بمدونة الأسرة، بل يبرم أيضا كل العقود التجارية والمالية والعقارية، لذلك تؤكد على أن الكفاءة والاستحقاق هما المعياران للنجاح في هذه المهنة وليس الجنس.

ثورة هادئة

يتابع عبد العزيز دادة رئيس المجلس الجهوي للعدول بالقنيطرة اندماج سناء بركان وسعيدة زيهار ضمن فريق العدول في المكتب الموحد، ولا ينفك يقدم عصارة خبرته وتجربته للمرأتين الوحيدتين في الفريق اللتين تتلمسان طريقهما بجدية وحماس في هذه المهنة.

لا يخفي عبد العزيز قناعته بأن انضمام النساء لهيئة العدول سيشكل إضافة نوعية ودفعة قوية من شأنها عصرنة المهنة، لافتا إلى أن المجتمع المغربي منفتح وقبل بوعي مزاولة المرأة مهنة العدل وإبرامها عقود الزواج والطلاق والميراث.

أما عبد الغفور حجي رئيس المجلس الجهوي للعدول بالرباط، فيرى أن دخول المرأة هذا المجال “ثورة حقوقية هادئة” ونتيجة حتمية لدستور 2011 الذي أقر مبدأ المناصفة، مشيرا إلى أن النساء يمثلن حاليا حوالي 35% من هيئة العدول التي تضم 4 آلاف عدل.

في عام 2010، تقدمت نساء مغربيات بطلب لاجتياز مباراة العدول، فقوبل الطلب بالرفض بسبب إشكالات قانونية وفقهية تتعلق بخوض النساء في مسألة الإشهاد، وبعد عشر سنوات من النقاش والاجتهاد أدت 299 امرأة اليمين أمام المحاكم وبدأن مزاولة المهنة.

تقول سعيدة زيهار إن هذه التجربة “كسرت المألوف وستشجع النساء على اختيار التوثيق العدلي مهنة في المستقبل”، آملة أن يترك الفوج الأول من النساء العدول صدى طيبا لدى زملائها والمواطنين.

تقرير: الجزيرة / فيديو: قناة الحرّة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *