حاوره: المصطفى الحروشي

بعد “غيابها “خلال أزمة كورونا. وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة تطلق منصة رقمية ” خدماتي” للحصول على شهادة الإعاقة، وسط لغط سياسي، حول شبهات توظيف ورقة “بطاقة المعاق” في حسابات إنتخابية.

عن هذا الموضوع أجرت جريدة le12.ma ، حوارا مع يونس التايب المستشار في التنمية والإدماج الاجتماعي و الاقتصادي، فكان الحوار التالي :

كمستشار في التنمية والإدماج الاجتماعي و الاقتصادي، كيف ترون إعلان وزارة التضامن في هذا الظرف بالذات عن إطلاق منصة إلكترونية لسحب بطاقة المعاق؟

أظن أن هذا إجراء تدبيري يدخل في إطار سلسلة من المهام الكثيرة التي على الوزارة المعنية أن تقوم بها، في سياق عملها العادي. شخصيا لا أعتبر أن هذا الخبر استثنائي في شيء. مسألة توفر الشخص في وضعية إعاقة، على بطاقة رسمية تمنحه اعترافا من الوزارة الوصية بالحالة التي هو عليها، ليس إلا خطوة أولى في مسار طويل من خدمات الرعاية و المواكبة و التأهيل و الدعم التي تستحقها تلك الفئة من المواطنين بموجب حقوق منصوص عليها دستوريا و متفق عليها.

هنا لا بد أن نكون صرحاء و نطرح الأسئلة الحقيقية التي يفرضها الموضوع، و نبتعد عن لغة الخشب. لا التسفيه ينفع، و لا الضجيج التواصلي التسويقي لصورة قطاع أصابه كثير من الانتقاد نظرا لغيابه الكبير خلال أزمة جائحة فيروس كورونا، سينفع في شيء. التواصل يجب أن يسوق الموجود حقيقة على الارض، و الموجود يجب أن يكون قريبا و مستجيبا للانتظارات حتى يكون محترما و معتبرا. غير ذلك هو إنفاق المال العام، و تجميل لما ليس فيه جمال.

رأيي أنه يجب التحلي بروح الغيرة على أبناء هذا الوطن، و طرح أسئلة تهم الشكل و المضمون بشأن حكاية البطاقة. من حيث الشكل، الحديث عن إطلاق منصة إلكترونية لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة، كي يقدموا بواسطتها طلباتهم و يتتبعوا مراحل معالجة هذه الشهادة و سحبها، يجب أن يستحضر وضعية فئات كثيرة من الأشخاص ذوي الإعاقة، التي تتميز بهشاشة وضعيتها الاجتماعية والاقتصادية، و بعجز صحي يستوجب أن نراعيه. و هنا أتسائل، أليس من المفروض أن تكون هذه الوزارة قد استغلت فترة الثمان سنوات الماضية، التي عرف فيها القطاع استقرارا على مستوى الفريق المسير له، سياسيا و تدبيريا، من أجل إعداد إحصاءات وطنية دقيقة عن فئة الأشخاص المعاقين، و تصبح عملية إعداد و منح البطاقة أمرا عاديا و أوتوماتيكيا، يكون ثمرة بحوث اجتماعية ميدانية تتم بشكل منظم، و في سياق مستمر وعادي، من طرف مصالح الوزارة و الفرق الاجتماعية الميدانية للمؤسسات التابعة لها، بغرض تجسيد القرب من الشخص في وضعية إعاقة؟

من المهم و نحن نتعاطى مع تلك الفئة أن نتجنب زيادة عبء إداري إضافي إلى الأعباء التي تفرضها على المعنيين وضعية الإعاقة التي يعانون منها، خاصة و هم في غالب الأحيان ضحية الفقر و التهميش الاجتماعي و ظروفهم لا تيسر دائما، لأسباب موضوعية، التعامل بوسائل الاتصال و التكنولوجيات الحديثة من خلال حواسيب و هواتف ذكية. بعض ذلك ممكن لدى فئة، و كثير من الناس خارج سياقات ذلك.

من جهة أخرى، فيما يخص المضمون، يجب أن نكون متفقين على أن المهم ليست هي البطاقة، بل المطلوب هو الإجابة عن أسئلة جوهرية حول ماذا تعنيه تلك البطاقة في الواقع؟ و ما هي الخدمات التي ستمنحها حيازة تلك البطاقة للشخص في وضعية إعاقة ؟ و ما هي المؤسسات التي أعدت برامج خدمات صحية و علاجية و اجتماعية و نفسية و اقتصادية، خاصة فقط بالشخص في وضعية إعاقة عندما يتوجه إليها و هو حامل للبطاقة ؟ و أين توجد هذه المؤسسات ؟ و كم عددها ؟ و كم تستطيع استقباله من مستفيدين محتملين ؟ وكيف يمكن الاستفادة من تلك الخدمات التي أعدتها تلك المؤسسات ؟

أظن أن الواقع لا يرتفع، و الحقيقة هي أن المجهودات التي تمت في فترات سابقة، تمت أساسا بدعم مادي هام و بتأطير من مؤسسة محمد الخامس للتضامن و من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. كما سجلنا عملا مهما لبعض الجمعيات المدنية الجادة، و مجهودات سهرت عليها المصالح الاجتماعية بعدد من العمالات و الأقاليم. فيما عدا ذلك، نسجل نقصا خدماتيا كبيرا للأشخاص في وضعية إعاقة. و المؤسف هو أنني أحس كما لو أن هنالك غياب وعي حقيقي بأن تلك الخدمات غائبة و غير متوفرة لفائدة الأشخاص ذوي الإعاقة، بالنوع و بالقدر اللازم و في المجالات الجغرافية المفروض أن تتوفر فيها.

بعد “غيابها “خلال أزمة كورونا. وزارة لمصلي تطلق منصة رقمية ” خدماتي” للحصول على شهادة الإعاقة

البعض يرى ان إطلاق هذه المبادرة التي واكبها حملة ترويج واسعة جاء ليغطي على فشل الوزارة في المساهمة في تدبير جائحة كورونا. هل توافقون الرأي؟

هنالك كثير من المؤشرات تجعل هذا الاعتقاد غير بعيد عن الحقيقة. للأسف، الوزارة غابت بشكل كبير عن تدبير الأزمة الوبائية، و حتى لما حاولت أن تتحرك في محور بسيط فعلت ذلك بارتباك كبير و تردد، و لم تستثمر بالقدر الكافي الكفاءات البشرية و الطاقات المتوفرة في مؤسسات التعاون الوطني و وكالة التنمية الاجتماعية. و الحصيلة إجمالا هي أن وزارة التضامن و التنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، لم تقدم أي مقترح أو برنامج عمل شامل، أو خبرة تقنية مرتبطة بحالة الأزمة، أو حتى أظهرت حضورا ميدانيا اجتماعيا كافيا، يمكن للدولة أن تستعين به لتعزيز تدخلات السلطات العمومية و تخفيف أثر الجائحة.

للأسف، لم نسمع مثلا أن الوزارة تتوفر على لوائح الأسر المحتاجة، محينة و تشتمل على معطيات ديمغرافية و اجتماعية و جغرافية مضبوطة، مع العلم أن هذا الأمر هو من المفروض أنه من صميم طبيعة اختصاصاته، و يكون كل سنة محور الحديث في البرلمان أثناء مناقشة الميزانية القطاعية، عند عرض القانون المالي.

بكل موضوعية هذه الوضعية مؤسفة جدا، و تطرح سؤالا حول عدم قدرة القطاع على الالتزام بروح المهام و المسؤوليات التي على عاتقه. و يبقى السؤال هو ما إذا كان كل ذلك نتيجة حتمية لمنظومة حكامة تعمدت، خلال ثماني سنوات متواصلة، تهميش و تغييب عدد من الكفاءات والخبرات، في مقابل تشجيع تعيينات في مناصب عليا بالقطاع يحوزها كل من لديه قدرة على التنفيذ و الاستجابة الطيعة و الولاء السياسي، بدل من كانت لهم قدرات إبداعية و إمكانيات التدبير الاستراتيجي للإدارات و المؤسسات العمومية التابعة للقطاع. و عودوا لما عرفته عدد من التعيينات من تفاصيل دقيقة، لتتضح لكم الصورة في كامل أبعادها.

المؤسف هو أن خطوة الترويج لإعداد البطاقات الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة، لن يغير في شيء في الصورة التي أصبحت لصيقة بهذا القطاع خلال السنوات القليلة الماضية، و التي تتناقض مع الإمكانات الكبيرة التي تمنحها الدولة وتخصصها للفئات المحتاجة، و التي تضيع بسبب تدبير سياسي و إداري، لم يستطع تغييب الحسابات الصغيرة السياسوية و الولاءات.

برأيكم هل ذوي الاحتياجات الخاصة في حاجة اليوم الى بحث عن حلول او إعلان إطلاق منصة سحب بطاقة معاق؟

الجواب هو أن الأشخاص في وضعية إعاقة يحتاجون إلى تطبيق الالتزامات الدستورية التي توكل للسلطات العمومية المختصة واجب توفير خدمات مختلفة لهم، في إطار سياسات عمومية و برامج رعاية ومواكبة ناجعة و تشاركية. إطلاق منصة إلكترونية أمر تقني صرف ويجب أن يكون خطوة لتحقيق هدف أسمى في إطار استراتيجية شاملة و واضحة المعالم.

الأشخاص في وضعية إعاقة يحتاجون، أيضا، أن لا تجعلهم بعض الأساليب التدبيرية الغارقة في المقاربات السياسوية والفئوية، حطبا لنار التنافس الانتخابي و الاستقطاب و رعاية المصالح. و هنا يجب أن نركز جيدا على أن الدعم العمومي المقدم للفئات الهشة، ينطلق من قناعة سياسية راسخة لدى الدولة المغربية، بأن الحقوق المكفولة للمواطنين تمنح لهم بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية و ولاءاتهم و المجالات الجغرافية التي يقيمون فيها أو ينحدرون منها. لأن الولاء الواجب هو للوطن و لثوابت الأمة المغربية، مع الالتزام التام بالقانون، و لا يهم بعد ذلك شيء.

كما أن الشراكات مع الجمعيات يجب أن تكون إطار لتحقيق هدف المأسسة و الاحترافية في العمل المدني والعمل التشاركي، ويجب التعاطي مع هيئات ومنظمات المجتمع المدني بشكل فيه مساواة في الحقوق وفي الواجبات، و تمويل مشاريعها بغض النظر عن الانتماءات و المرجعيات. الذي يجب أن ننضبط له دائما هو القانون، و هو واجب حماية المال العام من العبث، و اعتماد التقييم المستند على النتائج، و التركيز على طبيعة المشاريع و أثرها الحقيقي على الأرض، لا على هوية حامل المشروع الجمعوي، و “هوية” من اتصل هاتفيا بشأنه ليزكيه و يزكي أصحابه.

و أجزم أننا يوم سنقرر العودة إلى هذه الأساسيات، سيعود قطاع التضامن و التنمية الاجتماعية ليحتضن الكفاءات الوطنية في المجال، و يحرر ما بداخله من الطاقات المتوفرة في كل المؤسسات و القادرة على خدمة الفئات الاجتماعية الهشة، و من بينها الأشخاص في وضعية إعاقة، بشكل يغير من وضعها إلى الأحسن.

المطلوب باستعجالية بالغة هو أن تتوفر بلادنا على وزارة للتضامن و التنمية الاجتماعية تستطيع أن تخلق مناخا ملائم لالتقائية السياسات العمومية الموجهة للتخفيف من الفقر و العوز، و تشتغل بإيجابية و موضوعية يطمئن إليها كل الشركاء المؤسساتيين العموميين و الخواص، و تستطيع ضمنه كل الأطر العاملة في مصالح و مؤسسات الوزارة أن تقدم ما هي أهل له، و ما تستطيعه من مساهمة عالية المهنية و الاحترافية المتخصصة في العمل الاجتماعي و التضامني.

و في انتظار حكامة جديدة تتيح ذلك، و تيسر الخروج من حالة انغلاق ترفض كل ما لا يتماشى مع قناعات معينة؛ و في انتظار أن يتم تقوية القدرات المؤسساتية للقطاع على التجديد والإبداع، علينا أن لا نتوقع المعجزات سواء تم توزيع بطاقات الإعاقة و الترويج للأمر على أنه فتح مبين، أو لم يتم ذلك.

مرحلة ما بعد جائحة فيروس كورونا تحتاج إخلاص النية و إعطاء الأولوية للوطن، و التعاطي مع المغاربة عموما، و خاصة من هم في وضعية فقر أو إعاقة، باعتبار أنهم يستحقون العناية بدون حسابات و بدون مجهود استقطابات مباشرة و غير مباشرة.

*يونس التايب المستشار في التنمية والإدماج الاجتماعي و الاقتصادي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *