تقرير إخباري: جواد مكرم

سواء في بلدها الأم أم في بلدان الاستقبال، شكّلت الكفاءات المغربية المقيمة بالخارج، منذ سنوات، رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، إذ جعلها دورها في نقل الخبرات والمعارف في عدة مجالات حلقة وصل بين الضّفتين الجنوبية والشمالية.

في فرنسا، تسهم الكفاءات المغربية في دينامية التطور الاقتصادي والاجتماعي وتقوية التعاون والشراكة بين هذا البلد وبين بلدهم الأم، المغرب.

مواكبة لهذه الدينامية، عمل المغرب منذ مدة على تثمين خبرات وكفاءات أبنائه المقيمين بالخارج خدمة لتنمية المملكة.

وفي هذا السياق، وفي إطار تفعيل الجهة 13 للمقاولين مغاربة العالم، تنظم الوزارة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة غدا الاربعاء بالرباط،  يوما علميا لتقاسم الخبرات حول مرض الشلل الرعاش، احتفاءً بالدكتورين عبد الحميد بنعزوز وربيعة بوعلي بنعزوز، الخبيرين المغربيين المقيمين بفرنسا، تكريما لهما على عطائهما المتواصل في مجال البحث العلمي والطبي، في البلدين فرنسا والمغرب.

وستشارك في إغناء هذا اللقاء نخبة من خيرة الخبراء، الفرنسيين والمغاربة المقيمين بفرنسا، الذين سيستعرضون آخر التطورات العلمية التي يعرفها مجال الأمراض العصبية، وخصوصا مرض الشلل الرعاش.

#السياق العلمي والرهانات المجتمعية

كان للتقدم العلمي في مجال البحوث العصبية تأثير مهمّ في فهم الفيزيولوجيا المرضية للأمراض العصبية، ما سمح بتطوير أساليب علاجية لبعض من هذه الأمراض.

وتشير آخر الدراسات والإحصاءات إلى أن الاضطرابات العصبية تؤثر على مليار شخص تقريبا في جميع أنحاء العالم. وفي ظل تزايد معدلات أعمار السكان، فإن هذا العدد مرشح للارتفاع بقوة خلال السنوات المقبلة. ففي فرنسا، مثلا، ارتفع أمد الحياة بحوالي 15 سنة خلال الخمسين سنة الماضية. وفي 2050 سيمثل سكان فرنسا فوق 60 سنة ثلث الفرنسين. أما في الدول النامية فسوف ترتفع هذه الأرقام بشكل مهول، ما سيُخلّف انعكاسات اجتماعية واقتصادية مهمّة، بسبب الإعاقات الحركية والفكرية والنفسية.

وبالتالي، فإن المعرفة الكاملة بالأمراض العصبية ستشكل تحديا عالميا كبيرا في القرن الحادي والعشرين.

يمس مرض الشلل الرعاش، وهو المرض العصبي الثاني بعد مرض الزهايمر، 1%من السكان البالغين 60 عاما فما فوق ويظهر -في المتوسط- ​​بين سنّي الـ55 والـ65.

ويعدّ هذا المرض، من وجهة نظر تشريحية، نتيجة للتدهور التدريجي للخلايا العصبية الدوبامينية على مستوى بنية عميقة صغيرة تسمى “Locus niger”. أما سبب المرض فلا يزال غير معروف من وجود شكوك حول دور بعض العوامل البيئية والوراثية.

أمّا من وجهة النظر السريرية، فإن مرض الشلل الرعاش يتميز أساسا بظهور أعراض حركية تطورية تؤدي إلى ارتجاف في حالة راحة وتباطؤ في تخطيط وبدء وتنفيذ الحركات وصلابة العضلات، وكذا إلى اضطرابات الوقوف.

وإلى جانب هذه النواقص الحركية، ترتبط أعراض غير حركية أخرى بالمرض، وتتجلى في الاكتئاب والقلق وفقدان حاسة الشم والإمساك واضطرابات النوم والاضطرابات المعرفية والألم.

وأن هذه الأعراض غير الحركية كانت ولا تزال موضوع أبحاث عديدة لفرق علمية كثيرة في جميع أنحاء العالم، فإنها لا تزال مبخَّسة، وبالتالي لا تحصل على ما يلزم من الدعم.

وقد سمحت الأبحاث العلمية بتطوير إستراتيجيات علاجية وجراحية لتحسين الأعراض الحركية.

إن العلاج الدوائي الذي يستخدم في مرض باركينسون لاستبدال الدوبامين المفقود هو “L-Dopa” الذي يعمل على تحسين الأعراض الحركية خلال أربع إلى ست سنوات بعد ظهور المرض.

وعلى المدى البعيد، تنخفض فعالية الدواء المذكور وتظهر الحركات اللاإرادية غير الطبيعية (خلل الحركة) التي تشكل عائقا كبيرا للمرضى.

في هذا السياق، كان الدكتور عبد الحميد بنعزوز، وفريقه، أول من وضع مقاربة علاجية جراحية عصبية جديدة لمرض الشلل الرعا مبنية على التحفيز العميق للنواة تحت المهادية لدى القردة داخل وحدة بحث في المعهد الوطني للبحث العلمي في جامعة بوردو الفرنسية. وقد سمح  نجاح تجريب هذه التقنية على الحيوانات للدكتور بنعزوز بالمساهمة في نقله إلى مرضى باركينسون في فرنسا، ومؤخرا في المغرب.

#أهداف الحدث العلمي

في هذا اللقاء العلمي، المنظم على شرف الدكتورين المغربيين، ستتم مناقشة العديد من حقول البحث الأساسية والتطبيقات السريرية، تشمل وصف مرض الشلل الرعاش وأعراضه، الحركية وغير الحركية، مع التركيز على جانب الألم وعلاجاته، الدوائية والجراحية، بما فيها الشق الأخلاقي.

كما سيتم في اللقاء ذاته جرد واقع حال مرض الشلل الرعاش وعلاجه في المغرب. فيما سيخصص الجزء الأخير من اللقاء للبحث العلمي الدولي الحالي حول الوقاية العصبية وتوالد الخلايا العصبية والتواصل العصبي والتفاعلات العصبية في الأمراض العصبية التنكسية.

من جهة أخرى، يشكل اللقاء مناسبة لتبادل الخبرات والتجارب بين المشاركين وبين مختلف الشركاء، متطلعا أيضا إلى تقاسم التقدم العلمي الحاصل في هذا المجال، وتوسيع نطاق الشراكات بين كفاءات البلدين، ومواكبة مشاريع الكفاءات المغربية في ميادين البحث العلمي والصحة، وكذا تعزيز نقل التكنولوجيا والخبرات والمعارف عن طريق تشجيع إنشاء منصات علمية متطورة.

ويتطلع الجميع إلى أن يكون اللقاء العلمي في مستوى الحدث ومحطة تكريمية تليق بعطاءات هذين المغربيين، اللذين ما فتئا يضعان خبرتهما وتجربتهما الطويلة في الميدان في خدمة البلدين، فرنسا بلد الاستقبال والمغرب، البلد الأم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *