أشرف الإدريسي

 

توالي الأحداث وقرب الإعلان عن سيطرة المغرب على فيروس كورونا المستجد يضع تدبير وزارة الصحة لهذه الأزمة تحت مجهر التقييم خاصة في ظل قيادة وزير تقنوقراطي يعمل دون ضجيج، ولا حسابات سياسية له، وهدفه إصلاح منظومة ظلت لسنوات تعاني من غياب إرادة حقيقة للإصلاح.

يقول المثل المأثور: “الإناء الممتلئ هادئ الصوت بينما الإناء الفارغ يحدث ضجيجا كثيرا”.

 مناسبة هذا الكلام، هو ما يُقال ويُتداول عن وجود أزمات وصراعات وهمية داخل وزارة الصحة ومحاولة الزج بها في نقاشات عقيمة هدفها التأثير على ما تحقق من نتائج يشهد بها القاصي والداني في مواجهة وباء عالمي أرعب الصغار والكبار، وكانت لوزارة الصحة –بما توفر لديها من إمكانات- الكلمة الفصل في هذه الحرب التي لا تزال مستمرة.

إن ما حققه المغرب إلى اليوم لا يمكن نسبه لجهة واحدة، بل هو نتاج لتضامن وانخراط مشترك لمختلف القطاعات تحت القيادة الرشيدة، والتوجيهات السديدة لجلالة الملك محمد السادس.

 نتائج جعلت من المغرب نموذجا يحتذى به في التصدي للأزمات الصحية المفاجئة، وحظيت باهتمام العديد من الجهات الخارجية التي أثنت عليها ودعت بلدانها إلى الاقتداء بها للتصدي لجائحة فيروس كورونا المستجد.

وإذا كان ما تحقق للمغرب يرجع فيه الفضل للمواطنين وباقي القطاعات التي تجندت صفا واحدا لتجاوز الأزمة، فإن وزارة الصحة هي القطاع الوحيد الذي نال حصة الأسد من الضربات الموجعة رغم وقوفها منذ البداية بصمود وثبات أمام هذه الجائحة التي أظهرت عن وجود إرادة حقيقة لإصلاح قطاع عانى ولا يزال من نظرة سوداوية تبخس كل جهود الإصلاح والإنقاذ.

الحظ السيء لآيت طالب

لا لأحد يتمنى أن يكون حظه كحظ البروفيسور خالد آيت طالب، فقد تزامن تسلم الطبيب الجراح مقاليد وزارة الصحة مع ظهور أشد أزمة صحية عالمية أجبرت دول العالم على الانحناء له والاستنجاد بكل الطاقات الممكنة لحماية الأرواح والأوطان، فكان لزاما على هذه الوزارة التي تعاني أن تجد طريقا آمنا للخروج بأقل الأضرار من هذه الجائحة العالمية، وهو ما نجحت فيه إلى حد الآن بشهادة الجميع وبالدليل القاطع.

ومع بداية ظهور الوباء في عدة دول، كثر الحديث عن مدى قدرة المغرب على مواجهته في حالة ما إذا تسلسل الوباء للداخل، وعن مدى قدرة الوزير الجديد على تدبير هذه الأزمة وهو المعين حديثا من طرف عاهل البلاد.

 لكن ما كشفت عنه الأيام التي تلت تسجيل أول حالة إصابة بالفيروس بالمغرب، وكيف تجندت وزارة الصحة بقيادة البروفيسور آيت طالب لمواجهة هذا العدو الخفي، أبان عن امتلاك هذا الطبيب الخجول رؤية قل نظيرها في دول أخرى وجدت نفسها عاجزة أمام فيروس يتفشى بسرعة قياسية ويحصد الأرواح بدون هوادة، ليباشر الرجل إحدى أصعب المهمات تعقيدا وحساسية على الإطلاق في مساره المهني، فتدبير أزمة صحية عالمية باتت قريبة من حدود البلاد ليس أمرا هينا.

فما لا يعرفه كثيرون هو أن أضواء المكتب العلوي للوزارة حيث يوجد مكتب البروفيسور ايت طالب لم تكن تنطفئ ليلا ولا يغلق بابه خلال نهاية الأسبوع، فالرجل وجد نفسه بين ليلة وضحاها أمام أزمة كبرى، ومسؤولية تنأى عن حملها الجبال، بين التنسيق مع مركز القيادة المركزي، والمركز الوطني لعمليات الصحة العامة الجهاز المشرف على تتبع الوضعية الوبائية، وتتبع كل صغيرة وكبيرة حول الوباء بالمغرب والعالم، دون إغفال استمرارية تقديم الخدمات الصحية الأخرى لملايين المواطنين.

وردا على منتقدي غياب وزير الصحة عن الواجهة الإعلامية، فإن أبجديات التواصل تشير إلى أن الخروج الإعلامي للمسؤول عن قطاع الصحة لا يكون عبثيا أو عشوائيا خلال أوقات الأزمات، بل تتحكم فيه إستراتيجية تواصل خاصة بمثل هذه الأوقات، هذه الإستراتيجية التي تندرج ضمن المخطط الوطني  للرصد والاستجابة لعدوى كوفيد-19، هي التي تحدد مراحل تدخل الناطق الرسمي للوزارة وتواصله مع الرأي العام، وذلك خلال الإعلان الرسمي عن وجود أزمة في قطاع الصحة، ثم في حالة ظهور مستجدات ذات العلاقة بالأزمة كالإعلان عن فرض  الحجر الصحي أو تمديده أو إقرار تدابير وقائية جديدة، ثم الإعلان عن نهاية الأزمة كمرحلة أخيرة.

استراتيجية  مبكرة

لم ينتظر المغرب تسجيل عدد كبير من الإصابات ليحدد إستراتيجية مواجهة الوباء، بل كان الأمر قبيل الإعلان عن تسجيل أول حالة في الثاني من مارس 2020، حيث تجندت الوزارة لمتابعة كل صغيرة وكبيرة عن هذا الوباء الغريب منذ الإعلان عنه بشكل رسمي في الصين من خلال المركز الوطني لعمليات طوارئ الصحة العامة الذي تم إحداثه سابقا لضمان الرصد الصحي والإنذار المبكر، والاستعداد لمواجهة الأزمات الصحية.

ومنذ أن أصدر عاهل البلاد تعليماته السامية بإعادة المواطنين المغاربة من مدينة ووهان الصينية وإخضاعهم للحجر الصحي، أظهرت وزارة الصحة عن قدرتها على تدبير الأزمة بكل جدية ومسؤولية، وهو ما ظهر جليا بعد تزايد تسجيل عدد الحالات المؤكدة إصابتها بمرض كوفيد-19، حيث لم يشهد المغرب انفلاتا في الاستجابة للأزمة أو عدم القدرة على مجابهتها، بل تم استباقها باستراتيجية محكمة قوامها التحلي بالمسؤولية وعدم التساهل مع هذه العدو غير المرغوب فيه.

وشهدت الأيام الأولى لظهور الوباء بالمغرب ارتفاعا ملحوظا في عدد الحالات المؤكدة إصابتها مخبريا، وتزايدا مضطردا في عدد الوفيات الناجمة عن المرض، مقابل تواضع نسبة التعافي، وهو ما جعل الكثيرين يوجهون سهام نقدهم غير البناء للوزارة، بوعي أو بدونه، كما لو أن هناك وصفة سحرية ستوقف زحف الوباء وتضمن عدم الفتك بالمصابين.

انتصار غير معلن

لقد حقق المغرب انتصارا صامتا على فيروس كورونا المستجد بفعل النظرة المتبصرة للقائمين على الشأن الصحي، وقد بدا ذلك منذ اعتماد بروتوكول علاجي خاص بالمغرب من طرف وزارة الصحة، رغم دعوات التشكيك في نجاعته، وإضافة تبني تدابير وقائية استباقية رغم قسوتها، وغيرها من النجاحات التي جنبت بلادنا الأسوأ (…) تدابير أفضت إلى نتائج ظاهرة للعيان، أبرزها التحكم في الوباء، والحفاظ على المنظومة الصحية الوطنية من الانهيار بشكل، إضافة إلى تسجيل نسب تعافي مرتفعة وخفض معدل الإماتة، وبالتالي حفظ أرواح المواطنات والمواطنين.

هذا الانتصار البين الذي حققته وزارة الصحة في مرمى فيروس كورونا المستجد، لم يتأتى صدفة، بل تأتى بعمل مستمر وتخطيط دقيق لإيجاد وصفة تمكن من التغلب على الفيروس وكبح جماح انتشاره قبل أن يخرج عن السيطرة، غير أن طريق النجاح لم يكن يوما ما مفروشا بالورود، بل بعقبات وأشواك تدمي القدمين، ومع ذلك استطاع الوزير آيت طالب أن يكمل المسير إلى حين أن يظهر على شاشة التلفزيون ليعلن عن نجاح المملكة المغربية في السيطرة على وباء كوفيد-19، ولعل ذلك هو السبيل المبتغى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *