حاورته: صوفيا العمالكي

 

في رأيكـم ما هي الأثـار السلبية لتمـديـد حـالة الطـوارئ الصحـية خاصة بالنسبة لسكان المنطقة 2؟

أظن أن تمديد حالة الطوارئ الصحية يهم كلا المنطقتين 1 و 2، والفرق سيكون فقط على مستوى ترتيبات وطبيعة إجراءات التخفيف التي تختلف من منطقة إلى أخرى.و بالتالي، فإن الآثار السلبية مرتبطة بالحجر الصحي الذي يستمر تقريبا كما كان عليه الحال بالنسبة لسكان المنطقة 2

أظن أن مسألة تأخر المعلومة الرسمية بخصوص أفاق ما بعد 11 يونيو، لا شك قد زاد من ضغط الواقع ومن أثره السلبي على نفسية الناس، خاصة بعد ثمانين يوما من الحجر الصحي. كما لا ننسى أننا مقبلون على فترة العطلة الصيفية و لا زالت غالبية الناس، وسواء سكان المنطقة 2 أو المنطقة 1، محرومين من التجمعات، و من تنظيم الأفراح و حفلات الزواج، بل حتى الجنائز لم تعد تتم بالتدابير الاجتماعية المتعارف عليها، دون التذكير بحاجة الناس لاستشراف الأفق و تغييـر الأجواء الحالية

بكل تأكيد سيكون لعدم الاستفادة من تخفيف القيود على مستوى المنطقة 2، تأثير سلبي يهم الجانب النفسي والاجتماعي والاقتصادي، حيث سيكون على السكان في تلك المجالات الترابية، أن لا يخرجوا من منازلهم بدون رخصة استثنائية للتنقل داخل المجال الترابي للعمالة أو الإقليم، ولا التنقل داخل المجال الترابي لجهة الإقامة إلا بترخيص استثنائي. كما لـن يتمكنـوا من خدمات قاعات الحلاقة والتجميل، و لا الذهاب للفضاءات العمومية بالهواء الطلق أو إلى المنتزهات والحدائق و الأماكن العامة للترويح عن النفس، و لا استئناف أنشطة رياضية فردية بالهواء الطلق، كالمشي و ركوب الدراجات مثلا. كلها أمور ستجعل الضغط النفسي يستمر، اللهم إذا ما حدث تحسن في المؤشرات الوبائية وقررت السلطات العمومية المختصة، في إطار التقييم الأسبوعي لوضعية كل إقليم، إعادة تصنيف المجال المعني ونقله من خانة المنطقة 2 إلى المنطقة 1. آنذاك سيستفيد السكان من إجراءات التخفيف وتصبح الأثار السلبية نسبيا أقـل قـوة وضغطا

صحيح أن هنالك نقط ضوء إيجابية مرتبطة باستئناف الأنشطة الاقتصادية على المستوى الوطني، سواء الأنشطة الصناعية، والأنشطة التجارية، و أنشطة الصناعة التقليدية، وأنشطة القرب والمهن الصغرى للقرب، و تجارة القرب، و المهن الحرة والمهن المماثلة، و إعادة فتح الأسواق الأسبوعية، الشيء الذي سيكون له أثر إيجابي في تحريك الدورة الإنتاجية بنسبة معينة، و سيكون بإمكان عدد من الناس التحرك لهذه الاعتبارات و في نطاقها. لكن، سيبقى جزء كبير من المتعاملين مع تلك القطاعات، أو لنقل زبناءها، غير قادرين على التحرك بأريحية في اتجاهها، خاصة في المنطقة 2 بسبب الحجر الصحي و تقييد التحرك، و في ذلك ما فيه من أثر سلبي اقتصادي و اجتماعي نفسي

على العموم يبقى الوضع دقيقا بالنسبة للسكان الذين تعبوا نفسيا، بل أصبح البعض يعانون صحيا من جراء وضعية التوقف شبه الكلي عن الحركة وعن الأنشطة الاعتيادية التي كانوا يقومون بها ويتحركون ضمنها، عندما كانوا يعيشون حياة اجتماعية طبيعية قبل كورونا.

 كيف يمكن التعامل مع الأطفال وكبار السن في هاته الحالة؟

 أظن أن ما كان مأمولا هو أن يستعيد كل الناس قدرتهم على التحرك رفقة أطفالهم، أو رفقة كبار السن من أقاربهم، للتنزه و الاستجمام في مختلف فضاءات مدنهم و قراهم، بما تتيحه من أشكال اجتماعية تساهم في تغيير المزاج إلى الأفضل . لكن مع تمديد الحجر الصحي بالنسبة لساكنة المنطقة 2، سيكون ذلك متعذرا.  وعليه، يجب استثمار المتاح من هوامش للتحرك، مع التركيز على الأطفال و على الأشخاص كبار السن لأنه مهم جدا دعمهم في هذه الأجواء. كذلك، يجب الانتباه لأهمية اللعب و الرياضة في حدودها الدنيا، وأهمية الحديث والتواصل الإنساني المستمر، و نشر خطاب إيجابي يُذكر بأن “ما بقي من وقت هو أقصر مما مضى من وقت”، و أننا اقتربنا من نهاية النفق تقريبا

من المهم، أيضا، تعزيز كل أشكال التواصل الاجتماعي، بين العائلات و الأقارب و الأصدقاء الذين يسكنون في مدن متباعدة، وذلك بواسطة وسائل الاتصال و التقنيات المتاحة، بغرض نشر شيء من الفرح و تقاسم الابتسامات والأمل والتفاؤل بقرب انجلاء الغمة، و رفع معنويات الناس التي هبطت إلى مستويات متدنية.

كما يجب على وسائل التواصل العمومي نشر وعي بهذه الجوانب النفسية التي لم تحظ بالقدر الكافي من العناية. وحبذا لو يتم توفير مواكبة نفسية عن بُعد للناس، من خلال برامج تواصلية ترويحية ذكية تُعزز صمودهم. وكذا إنتاج برامج جديدة تؤطرها شخصيات فكرية وعلمية و دينية تحضى بالاحترام، يمكنها أن تعطي لما نعيشه شيئا من المعنى الذي ينقلنا من ثقل الواقع إلى عوالم نقاشات و مواضيع تقلل من مرارة ما يحسه كثير من الناس من وحدة اجتماعية و قنوط

وهنا لا يفوتني أن أنوه بالمجهودات التي قامت بها عدة هيئات مدنية وإعلامية و سياسية و فكرية من خلال ندوات رقمية و حلقات نقاش ساهمت إلى حد ما في خلق متنفسات حقيقية.

 هل تعتقد أن سكان هاته المناطق سينضبطون من تلقاء أنفسهم لتعليمات السلطات؟

 أعتقد أننا سنعيش وضعية شبيهة بما عرفناه خلال المرحلة الثالثة من حالة الطـوارئ. بمعنى سنسجـل شيئا كثيرا من الانضباط وسنسجل كذلك حالات تراخي، وخروج بعض الناس إلى جنبات مقرات سكناهم أو إلى الشوارع المحيطة أو فضاءات التسوق، دون نية في تحـدي قـرارات معينة، وإنما فقط لاستنشاق هواء يُنفس عنهم ضيق الحجر الصحي

وهنا أتمنى من الجميع أن يستوعبوا أننا سنحتاج إلى اعتماد الحكمة والرصانة في التعاطي مع واقع الأسابيع القليلة القادمة. بل لعلنا سنحتاج، سـواء بالنسبة للمواطنين أو ممثلي السلطات العمومية المختصة، إلى صبر الأيام الأولى وإلى حماسها الوطني الصادق، عندما كنا نتحدث عن الأزمة الوبائية على أنها ملحمة وطنية، حتى ندبر ما نحن فيـه دون أن نتـرك العياء يستفــز الانفعال التلقائي ويُسقطنا في ما لا يجب أن نقع فيه و ما لا داعي له

نحن نقول بالدارجة “الله يحسن عون الجميع” و يرزق الجميع الصبر أمام العياء و توالي المجهود والضغط اليومي الاجتماعي و الاقتصادي المادي و النفسي. معركتنا الأساسية هي مع فيروس كورونا، ويجب أن يعين بعضنا البعض، و أن يتم تكاثف الجهود لدعم الفئات المحتاجة، و أن نصبر فيما تبقى من الوقت كي نخرج من الأزمة. لا حل سوى هذا.

 في رأيكم، هل كان بالإمكان أفضل مما تقرر ؟

 سؤال صعب، لكن علينا أن نكون واقعيين و موضوعيين و نحن نفكر في جواب عنه. صحيـح أن آثار تمديد حالة الطوارئ الصحية سلبية جدا على الناس وعلى الاقتصاد الوطني، لا أحد ينكـر ذلك. لكن، مهما قلنا و تذمرنا، هل هنالك حلول بـديلـة مطروحة و مضبوطة ؟ هل هنالك من بيننا، من يستطيع تأكيد خلو أي قرار برفع الحجر الصحي نهائيا، من مخاطر بعودة الوباء للانتشار بسرعة بين الناس ؟ هل هنالك من يمكنه أن يتحمـل مسـؤولية قـرار مُغـايـر لقرار التمديد، وهـو متأكد من أن الأمور ستظل مضبوطة وتحت السيطرة ؟ لا أظن ذلك، لأنه ليس هنالك حل سحري واحـد، إنما هنالك سيناريوهات و اختيارات تحمل كلها نقط قوة ومخاطر معينة، و في نهاية الأمر يجب تحمل المسؤوليـة و الحسـم بيـن تلك السيناريـوهـات

صحيح لو أنه تم الانضباط الكلي لقرار الحجر الصحي، خصوصا في المراحل الأولى لحالة الطوارئ الصحية، لكنـا قـد حاصرنا نهائيا الفيـروس وطـوينـا هـذه الصفحة دون الحاجة إلى تمديد. لكن، أما وقد كان ما كان، ما علينا إلا أن نزيد من تكاثفنا ونحاول تقليل الخسائر الاجتماعية والمادية و الاقتصادية والنفسية، و نركز على التفكير في استراتيجية متوسطة وبعيـدة المـدى للخـروج من الأزمـة الاقتصادية والاجتماعية التي ستلقي بظلالها على بلادنا خلال السنتين المقبلتين على الأقل.  

و لكي نعزز الوضع النفسي العام في هذا الاتجاه، و نحافظ على نفس روح التعبئة الإيجابية، علينا تعزيز التواصل وفق استراتيجية محكمة، و التفاعل مع كل المستويات والفئات الاجتماعية، واعتماد منهجية تشاركية أكبر في بلورة مخارج من الأزمة و بناء أفضل الآفاق لتثمين رصيد الإجراءات الجيدة التي اتخذت منذ بداية الجائحة، و الصبر على ما بقي من وقت في ظل حالة الطوارئ الصحية.       

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *