سيكون صعبا، منذ اليوم، أن نصدق ما يصدر عن وزير الصحة من كلام وبلاغات وبيانات وتقارير، بعد فضيحة أول أمس (الخميس).

فضيحة بكل المقاييس تفرض استدعاء عاجلا من رئيس الحكومة لوزيره في قطاع الصحة واستفسارا وتحقيقا وقرارا، ثم بلاغا موجها إلى الرأي العام، كي نفهم الحيثيات والسياق، ونستوعب ما يجري بالضبط في موضوع يكتسي حساسية كبيرة داخل المغرب وخارجه، ويتعلق الأمر بأكثر من 32 ألف مغربي عالق، في هذه الأثناء، في دول أجنبية، بسبب تداعيات جائحة كورونا.

فأخلاقيا، لا يمكن أن يصدر عن مسؤول حكومي تصريحان متناقضان، في أقل من ساعة، أحدهما مسجل بالصوت والصورة، يقول فيه بالحرف إن الحكومة شرعت في استقبال دفعات أولى من العالقين (300 مغربي كل أسبوع)، والثاني عبارة عن تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء ينفي فيه تصريحه الأول جملة وتفصيلا، ويتهم «المتتبعين» بالتحوير وعدم الفهم.

أما على المستوى السياسي، فإن ما صدر عن الوزير من تأكيد ونفي في الوقت نفسه وفي الموضوع ذاته، يعطي انطباعا سيئا إلى الرأي العام، أن هناك «جهة ما» استشاطت غضبا من كلام المسؤول الحكومي، وهي التي فرضت عليه الهرولة إلى وكالة المغرب العربي للأنباء للاعتذار المبطن عن تصريحات يفهم أنه «قفز» عليها، ولا تندرج في مجال اختصاصه، وكان عليه أن يتحفظ على الإجابة عنها، ولو تعلق الأمر باجتماع للجنة بمجلس النواب.

وسواء على المستوى الأخلاقي (الكذب)، أو السياسي (التطاول على اختصاصات سيادية)، فإن الوزير ارتكب خطأ جسيما لا ينبغي أن يمر مرور الكرام، أو نعتبره مجرد حادث عابر لا يستحق الوقوف عليه.

في دول أخرى، كان بالإمكان أن تشكل هذه الفضيحة موضوع مساءلة قانونية، بعد أن يكون الوزير المعني قدم استقالته وعاد إلى بيته، إذ سيكون من الصعب أن يستوعب الرأي العام، كيف أن مواطنين عبروا الحدود إلى أرض الوطن في مثل هذه الظروف، دون أن يأخذ أحد منا علما بذلك، ثم يعود الوزير نفسه للاعتذار ويقول لنا “سمحو ليا غير كنت مقشب معكم”.

وتضعنا هذه الوقائع أمام احتمالين اثنين لا نعرف أيهما يحمل الحقيقة:

– فإما أن جزءا من المغاربة العالقين عادوا فعلا إلى أرض الوطن، كما يفهم من تصريح وزير الصحة أمام لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، الذي قال فيه بالحرف “دابا كندخلو 300 بـ 300″، بل أكد أن المغاربة الذين دخلوا المغرب يخضعون إلى فترة الحجر الصحي لمدة 9 أيام للتأكد من خلوهم من الفيروس.

-أو أن “رقم إعادة 300 مغربي عالق في الأسبوع، هو مجرد إجراء تقني مؤقت فعلته لجنة تقنية إلى حين توفر الظروف الملائمة لإعادة جميع المغاربة العالقين بالخارج”، كما قال الوزير ذاته في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء في اليوم نفسه!!.

وفي الاحتمالين معا، فنحن اليوم، بكل تأكيد، أمام وزير غير مسؤول، أضاع على نفسه وعلى الحكومة أهم عنصر يربطه بالمواطنين، (خصوصا في هذه الظروف الدقيقة)، ويتعلق الأمر بعنصر الثقة.

الثقة التي تمثل تعاقدا أخلاقيا وسياسيا بين الحكومة والشعب.

ومتى انهارت، حل مكانها مسيلمة الكذاب.

هزلت.

*خالد الحري رئيس تحرير يومية الصباح 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *