حاورته: صوفيا لعمالكي

رافق الإستعداد لرفع الحجر الصحي في المغرب الكثير من التساؤلات عن كيفية العودة للحياة الطبيعية  دون السقوط في  خطورة إعادة إنتشار الفيروس وارتفاع عدد حالات الإصابة وبالتالي ونحن على بعد عشرة أيام من إنهاء الحجر الصحي وجب التفصيل في الأمر نظرا لأهميته المجتمعية.

وللحديث عن هذا الموضوع، تواصلت جريدةLe12.ma ، مع يونس التايب، متخصص في الحكامة المحلية والإدماج الاجتماعي والاقتصادي، وكانت هذه أجوبته عن ثلاثة أسئلة

ما هو تقييمكم الشامل للحجر الصحي التي عرفته البلاد؟

أعتقد أننا انطلقنا بشكل رائع ابتداء من 20 مارس، وتميزت الأجواء بحس عال من الوعي ومن المسؤولية، حيث ساد التواصل الإيجابي والتعاون وأبلينا البلاء الحسن، سواء المسؤولون والموظفون العموميون الذين أطروا ميدانيا هذه العملية، تواصلا و إخبارا و توعية، أو المواطنون الذين فهموا خطورة الموقف و تفاعلوا بشكل جيد على العموم

هذا كان الحال في بداية حالة الطوارئ الصحية في مرحلتها الأولى. و يمكن القول أن غالبية المدة كانت فيها نسبة عالية من اليقظة و المواطنة و السلوك الإيجابي، باستثناءات محدودة تم التعاطي معها بشكل حضاري وعبر القانون

بعد ذلك، في المرحلة الثانية لحالة الطوارئ الصحية، بدأنا نلاحظ تصاعدا في حالات التراخي في تطبيق الحجر الصحي، و شاهدنا عودة عدد من الناس للخروج من المنازل والتجول في الشارع العام دون حرج. ولعل التزامن مع شهر رمضان الذي تعرف فيه شوارع مدننا، في مثل تلك الفترة من السنوات الماضية، دينامية تنقل و حركية تجارية ملحوظة، ساهم في تعزيز النزوع نحو كسر الحجر الصحي من طرف عدد من الناس.

لكن، أعتقد أنه يجب التعاطي مع هذه المسألة بموضوعية وواقعية، والإقرار بأننا لم نكن استثناء في هذا الباب. لقد رأينا كيف أنه في عدد من الدول في أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية و في دول العالم الثالث، لم ينضبط البعض لتعليمات الحجر الصحي، لأسباب مختلفة منها ما هو مرتبط بضرورة تلبية الحاجات الاجتماعية والاقتصادية خصوصا لدى الفئات الهشة. كما أن عدم الاحترام الصارم للحجر الصحي، كان أيضا بسبب سلوكات و ثقافة مستهينة بالقانون، و في  بعض الأحيان بسبب نفاذ طاقة القدرة النفسية على تحمل وضعية الحجر الصحي و الضغط الذي تتسبب فيه، لأنها تحرم الأشخاص من حرية التنقل وإشباع الحاجة إلى لقاء “الآخرين” والتنفيس و التواصل الاجتماعي

 في بلادنا، أعتقد أننا سنجد كل هذه الحالات متوفرة. هنالك مواطنون كانوا في حاجة للبحث عن مصادر رزق لمواجهة الحاجة و العوز، خصوصا المنتمون للأسر التي تأخر تسليمها الإعانات الاجتماعية، المالية و العينية،  التي قررتها الدولة، أو تلك التي لم تقبل ملفات طلباتها، وبالتالي لم يكن أمامها سوى الخروج بحثا عن سبيل لكسب قوتها

كما أن هنالك مواطنون آخرون لم يحترموا الحجر الصحي كما يلزم من منطلق طغيان سلوكات غير مواطنة و غير منضبطة لفكرة القانون و لسلطته. و بطبيعة الحال هنالك، أيضا، حالات مواطنين لم يصمدوا نفسيا أمام وضعية الحجر الصحي، و رأيناهم يخرجون بدون احترام الشروط الضرورية. وسيكون من المهم جدا، بعد أن تستتب الأوضاع أن نعود للبحث السوسيولوجي و النفسي لنفهم ونشخص مثل تلك الظواهر حتى نستطيع مستقبلا التعاطي معها، و محاصرة أسبابها و دوافعها.

أظن أن ما يجب أن نعترف به هو أن غالبية المواطنين المغاربة تفاعلوا بدرجة كبيرة مع حالة الطوارئ الصحية، و التزموا بالحجر الصحي، و لم يغادروا إلا في نطاق ما هو مسموح به، خلال المرحلة الأولى و كذا خلال المرحلة الثانية، ولو بدرجة أقل في نصفها الثاني

بينما يتأكد أنه في المرحلة الثالثة تكرست سلوكات التراخي بشكل أكبر، خصوصا بعد يومي عطلة عيد الفطر المبارك و بداية عودة الحركة الاقتصادية في بعض المناطق الصناعية، و عودة العاملين للحركة و التنقل في هذا الاتجاه، و الاستئناف التدريجي لبعض الأنشطة التجارية

وهنا لا بد من التنويه بعمل الأجهزة العمومية التي لا زالت مستمرة في تأطير و تقنين التنقل في عدة محاور بمدننا، في محاولة لتقليص حالات الخروقات فيما بقي من أيام في هذه المرحلة الثالثة من حالة الطوارئ الصحية. كما يجب تسجيل أهمية استمرار التواصل، سواء عبر القنوات العمومية و الخاصة، التي تحافظ على ديناميكية توعية الناس بأننا لا زلنا في مرحلة الطوارئ الصحية، و علينا احترام مقتضياتها

نفس الملاحظة فيما يخص المجهود المبذول لمعالجة الحالات التي لم تستفد من الدعم الاجتماعي للدولة، عبر وضع وزارة المالية لأرضية معلوماتية جديدة لتلقي الشكاوى من الأسر التي لم تستفد من الإعانات. فقد لاحظنا كيف أن هذه الخطوة مكنت من تسجيل مليوني شكاية، تم قبول 800 ألف طلبا منها، و ما زال 800 ألف طلب قيد الدراسة، فيما تم رفض 400 طلب غير مستوفي للشروط. هذا أمر جيد للغاية يجب تسجيله.

أقول هذا لأنني أعتبر أن التواصل العمومي الجيد و استمرار التوعية بشكل كثيف بخطورة هذا الوباء، و كذا تعزيز الدعم الاجتماعي للأسر الفقيرة، هما مفتاح تحقيق الاحترام المرجو للحجر الصحي فيما تبقى من أيام في المرحلة الثالثة.

 نحن على بعد أسبوعين من  رفع الحجر كيف ترون هذه الخطوة؟

 أعتقد أن رفع الحجر الصحي أمر لا بد منه. لا ننسى أن بلادنا فور ظهور أول حالات الإصابة بالعدوى، أعطت الأولوية، بتوجيهات من جلالة الملك، لحفظ الأنفس وحماية صحة الإنسان المغربي أولا، عبر ما تم من مقتضيات و تدابير. لكن علينا، أيضا، أن نستوعب أن الحجر الصحي مكلف للغاية، فكل يوم من أيام الطوارئ الصحية يضيع على الاقتصاد الوطني مبلغ مليار درهم. و إذا احتسبنا كل مدة الطوارئ الصحية سنجد أن اقتصادنا سيفقد 80 مليار درهم. كما أن عددا كبيرا من المقاولات اضطرت للتوقف عن نشاطها، فيما تم التصريح بأزيد من950.000  مستخدما متوقفا عن العمل، على مستوى أكثر من 130 ألف مقاولة. و بالتالي هم مستخدمون يحق لهم أن يستفيدوا من دعم الدولة عن طريق الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وللتذكير هذا الدعم سيكلف مبلغ ملياري درهم شهريا. وهذا ليس بالأمر الهين.

 كذلك هنالك قطاع السياحة الذي شلت به الحركة بشكل كامل، و قطاع النقل الجوي و البحري و البري، و عدد كبير من المهن الحرة التي اضطرت للتوقف في إطار احترام الإجراءات الاحترازية الوقائية من الوباء. هذه الوضعية ستكون فاتورتها الاقتصادية والاجتماعية مرتفعة، و ليس ممكنا أن تستمر هكذا و أن لا نعود للحياة العادية بشكل متدرج و منضبط

ما بعد رفع الحجر الصحي، هل وعي المواطنين وحده كاف لتجنب إعادة ارتفاع الإصابات؟

كي ينجح رفع الحظر الصحي، أعتقد أن المطلوب هو أن يرقى وعي المواطنين، أولا، لتجنب انتشار العدوى، والمطلوب، ثانيا، هو أن تلتزم المؤسسات الخاصة و العامة بقواعد المسؤولية الاجتماعية وتوفر شروط السلامة و الوقاية. هي إذن مسؤولية مشتركة، و على كل الأطراف النهوض بها. لا حل غير ذلك.

 نحن مدعوون لاتخاذ سلسلة تدابير صارمة لفرض احترام قواعد التباعد الاجتماعي، وإجراءات الحماية الوقائية. من جهة، على المواطنين الالتزام بوضع الكمامات و تعقيم الأيادي و احترام الفضاءات المنزلية بعدم إدخال الفيروس في الأحذية والملابس. كما أن المؤسسات العمومية و الخاصة، عليها تعقيم فضاءات العمل بالشركات والإدارات. و يجب، أيضا، الانتباه إلى أهمية تعقيم وسائل النقل العمومي، ويجب التعاون لتدبير عمليات التسوق بشكل مغاير عبر تفادي الازدحام بالمتاجر و المساحات الكبرى.

أظن أننا في هذه المرحلة مدعوون أكثر من السابق لأن نكتسب سلوكات جديدة ونعتمد ثقافة علاقات اجتماعية مختلفة عما كنا عليه في السابق من تهاون في بعض الأساسيات. بذلك فقط سنضمن تحقيق عودة تدريجية للحياة الطبيعية، و استمرار التحكم في انتشار العدوى، و وقف نزيف الأزمة الاقتصادية والاجتماعية من أثر تداعيات أزمة عالمية يبدو أنها الأخطر في المائة عام الماضية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *