الجميع لاحظ أن هناك حالة تراخي في الآونة الأخيرة نتج عنها ظهور بؤر إصابات جديدة بالوباء.

أعتقد أن هناك استسهالا للوضعية الوبائية من طرف بعض المواطنين وذلك للأسباب التالية :

أولًا، ملاحظتهم لتساهل بعض رجال السلطة في التطبيق الصارم لقانون حالة الطوارئ الصحية. فالناس تتحرك بحرية في الأسواق والشوارع بدون كمامات وبدون تصاريح، حتى أن هناك من أقاموا صلاة جنازة في الشارع دون أن يحرك المسؤولون المحليون ساكنا، مما دفع وزارة الداخلية للتدخل لتوقيف المسؤولين.

ثانيا، اعتقادهم أن الفيروس ليس بتلك الخطورة التي تم تصويره لهم بها، ودليلهم أن اليوبي مدير الأوبئة يزف لهم يوميا حالات تعافي بالعشرات بينما لا يتعدى عدد الوفيات 188 حالة منذ بدء الجائحة إلى اليوم. مما يعطي شعورًا خادعًا للناس بأن الفيروس ليس قاتلا كما تم تصويره. والحال أن ما حال دون سقوط المغاربة في الشوارع صرعى مثلما حدث في أوروبا ليس طيبوبة الفيروس بل سرعة اتخاذ الإجراءات الوقائية والمبادرة المبكرة لوضع بروتوكول علاجي.

وهنا يظهر ضعف وغياب الإعلام العمومي المفروض فيه إظهار خطورة الفيروس بعرض قصص درامية وصور مرعبة لضحاياه، مثلما ظلوا يصنعون في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا. كل ما يحسنون صنعه عندنا هو إظهار مشاهد التصفيق للمتعافين.

ثالثًا، ظهور فيديوهات لأشخاص في الحجر الصحي بالمستشفيات يقومون بالألعاب الرياضية أو يتسلون بإحراق مصابيح النور بغرفة المستشفى، وآخرون يرقصون كما لو أنهم في حفل زفاف، وأيضا ظهور فيديو لنساء في الحجر الصحي كأنهن في نزاهة تتأرجح إحداهم بعارضة السرير الطبي.

مما أعطى انطباعا للناس بأن الأمر غير جدي وأنهم إذا أصيبوا بالعدوى فإنهم في أسوأ الحالات سيكونون في غرف مع معارفهم واكلين شاربين معالجين، وأن الأمر بالنهاية ليس دراميا، بل يمكن أن يكون بالنسبة للبعض فرصة لمغادرة ضيق البيوت وسوء التغذية والعزلة.

واليوم نرى صورًا لشباب أخذوا حمامًا في سكة الطرام بالدار البيضاء في عز حالة الطوارئ وصوروا أنفسهم وهم يستحمون ويلبسون البينوارات ونشروا صورهم وهم عائدون بأسطلهم إلى بيوتهم كما لو أن الأمر يتعلق بإنجاز تاريخي. لحسن الحظ أن رجال الأمن لقطوهم واحدًا واحدًا وسيذهبون حيث لن يكون بمستطاعهم الاستحمام سوى مرة في الشهر، إذا وجدوه.

إنها قمة التسيب وانعدام الحس الوطني وغياب الإدراك والحس.

الآن ما الذي يجب فعله ؟

إلى حدود الساعة لم يشاهد المغاربة الوجه البشع لفيروس كورونا، لم يروا الناس الذين كانوا يختنقون في العناية المركزة، والذين كانت أجهزة التنفس هي كل ما يربطهم بالحياة، والذين ماتوا بعد غيبوبة طويلة وتم دفنهم دون تغسيلهم ودون حضور أهلهم أو الصلاة عليهم. لم يروا دموع أهالي الضحايا ولم يسمعوا زفراتهم وهم ممنوعون من الوقوف على قبورهم من أجل صلاة أخيرة.

الناس لم يعيشوا ما عاشه الناس في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وما يعيشه الأمريكيون اليوم حيث يدفنون موتاهم في قبور جماعية.

لذلك فهم عندنا يستسهلون هذا الفيروس ويتصرفون بطيش يمكن أن يهدد حياتنا جميعًا ويقودنا لا قدر الله لعيش ما عاشه مواطنو هذه الدول، سيكون علينا أن ندفع نحن الذين نحترم بالحرف قانون الطوارئ الصحية ولا نخرج للشارع منذ شهرين إلا لقضاء الحاجات الضرورية ثمن تهور وطيش وجهل هؤلاء الجهلة.

لماذا سيكون علينا نحن الذين نحترم القانون حرفيا ونلتزم بالتعليمات ونتبع نصائح المسؤولين أن ندفع من أمننا وصحتنا وجيوبنا أخطاء وطيش وانعدام تربية هؤلاء

المعتوهين ؟

أليس هناك في القانون ما يردعهم ويجعلهم يحترمون المواطنين الصالحين من هذا الشعب الذين تحترق أعصابهم وهو يرون من داخل بيوتهم كيف يعيث هؤلاء المعتوهين فسادًا في الشوارع بكل حرية ؟

لقد حان الوقت لكي نتدارك ما بقي من وقت لشد الحبال واستعادة رباطة الجأش واليقظة والصرامة.

سيكون مؤسفا أن يحقق المغرب كل هذا الإنجاز العظيم الذي تشهد له به كل دول العالم، وفي الأخير يأتي بعض البوعارة لكي يفسدوا هذه الملحمة ويدخلوا البلد في متاهات لا قبل لنا بها.

ثم هناك شيء خطير يجب الإنتباه إليه وهو أعصاب ومعنويات الناس الذين يلتزمون بالحجر الصحي منذ بدايته، لأنهم عندما يرون كيف يضحون بالبقاء داخل بيوتهم فيما آخرون يتحركون بحرية، دون أن يكون لديهم مبرر للخروج، معرضين حياة الجميع للخطر فإن معنوياتهم ستنهار، وسيبدؤون في فقدان الثقة.

وهذا أخطر شيء يمكن أن يصيب المجتمع في مثل هذه الظروف العصيبة.

 

رشيد نيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *