حكى لي يوما أحد أخوالي قصة سيدة أمازيغية طاعنة في السن في تخوم جبال الأطلس مع الصلاة. كان فضوليا إلى درجة أنه سألها: كيف تؤدين صلواتك وأنتِ لا تتكلمين حرفا من العربية وغير حافظة للقرآن؟ فأجابته، ببراءة الأطفال وقالت له: صلاتي تبدأ وتنتهي، قياما وركوعها وسجودا ودعاءا، بــ”رْبّي يِسّنْ مَامّاسْ، مَامّاسْ تٓسّنْ رْبّي”، بمعنى “الله يعرف مَامّاسْ، مَامّاسْ تعرف الله”…

ونِعمٓ بالله، الله يعرفها، الله يعرفنا جميعا، بعيدا عن الفتوى والاجتهاد، فعلاقة الإنسان بالله روحانية خالصة لا يمكن التدخل فيها إطلاقا… والله رحيم بعباده، والحمد لله.

لكنْ على هذه الارض الطييبة، هل تساءلنا يوما عن محنة الأمازيغ، مثل مَامّاسْ، داخل محاكم المملكة عندما تذهب ضحية عدم نطقها بالعربية وفهمها للعربية؟! عندما تتوه في مرافق المحاكم… وأمام القاضي… وتصيح بأمازيغيتها الشامخة “فْكْ إِيي إِزْرْفَانْ إِينُو أَيمْزْرٓفوا” (خذ لي حقي سيدي القاضي)… وتشرح له الظلم الذي وقع عليها، والقاضي لا يفهم… وهيئة المحكمة الموقرة لا تفهم… والمحامي لا يفهم… والسكرتيرة لا تفهم… والكاتب العمومي لا يفهم… ويصدر الحكم… ضاع حقها! وقد تسلب منها حريتها… وقد تطرد من بيتها وتباع أملاكها…
“سيري تّعلمي العربية وْ أجي!”.. عبارة تكررت في محاكمنا كثيراً وما زالت…
مَامّاسْ مريضة، أزيد من شهر ومغص شذيذ يعصر معدتها، جرًبت كل الخلطات والأعشاب والبخور والطبخات، لتصل مرغمةإلى لعيادة الطبيب، لتزداد مرضا وضياعا، فهي تحاول شرح منطقة الألم للطبيب بكلماتها الأمازيغية وحركات يديها ورأسها… والطبيب لم يستطع فك شفيرة اللغة، ويستعين بالممرضة و و و… وبما أن الطبيب طبيب فقد اكتشف المرض وكتب وصفة الدواء سلمها لرفيقة مَامّاسْ، التي لم تفهم ما يجري حولها. هرعتا إلى الصيدلية التي توجد أسفل عيادة الطبيب، ليستمر مشوار التعذيب اللغوي.
“هذا خوذيه في الصّباح… في المساء… قبل الأكل.. القطرات مرة في اليوم، مع قليل من الماء قبل النوم”.. مَامّاسْ تحرك رأسها.
الصيدلي: فهمتي، مَامّاسْ!؟

تعود إلى منزلها وتأخذ الأدوية بكيفية عشوائية. وضعت قطرات عديدة على عيونها، وبعد فترة قصيرة فقدت بصرها كليا، وانهارت صحتها، وماتت مَامّاسْ…

كم من مَامّاسْ تذهب ضحية المحاكم، الطبيب، الصيدلي، المختبرات الطبية، المساطر الإدارية المعقدة، مديرية الضرائب، السجون، الملك الغابوي، الزواج المبكر، الاغتصاب، التحرش، جشع ذوي القربى، السماسرة… لأن لغتها ألأمازيغية لغة غريبة في وطنها، لأنها لغة مقصية، لغة يريدونها أن تكون فلكلورية فقط… لغة مهمَّشٌ الناطق بها والمولود بها والحالم بها والمبدع فيها وبها، رغم أن الصواب أن تكون لدينا أطر مكونة لتقوم بالترجمة العادلة في كل الأمكنة كحق تضمنه لك الدولة والأعراف الدولية، حق من حقوق الإنسان في هدا الكون.

تامغريبيت أن يُسمع صوت الأمازيغي ويفهمه القاضي والطبيب ورجل الأمن والصيدلي و و و…

تامغريبيت أن تُفٓعَّل القوانين التي اهترأت في الأرشيفات، مثل قانون المخطط الثلاثي 1980/ 1978 ص 270
الذي أدرج في ميزانية وزارة التربية الوطنية وتكوين الأطر سنة 1979 وتمت المصادقة عليه داخل لجنة التربية وتكوين الأُطر في عهد الوزير عز الدين العراقي، وتفضل النائب البرلماني أحمد النضيفي في 1980 بسؤال أمام مجلس النواب عن مآل هذا المخطط؟ وزمن الشروع فيه؟
مَامّاسْ تعرف الله والله يعرفها.

الأمازيغ يعرفون وطنهم المغرب… ووطنهم، هل يعرفهم؟!
هل تكفي كتابة ألأمازيغية في واجهة الإدارات العمومية وشبه العمومية بجانب العربية والفرنسية؟ أم أن الوقت قد حان لتكوين موظفين وأطر ومترجمين وأطباء ومحامين و و و… ناطقين باللغة ألأمازيغية ليحفظوا للمواطن المغربي ووجوده وكرامته وحقه داخل هذا الوطن “المغرب”،
أم… “نْمشيو نتعلّمو العْربية”!؟…

 

زهرة المنشودي : كاتبة وناشطة امازيغية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *