عادة عندما يهل شهر رمضان يتبادل المسلمون التهاني، لكن صحافيًا من المملكة العربية السعودية اسمه فهد الشميري قرر أن يستغل بداية شهر الصيام في أوج هذه المحنة العالمية لكي يكيل الشتائم للمغرب والمغاربة، مثلما صنع قبل سنة عندما وصف الفلسطينيين بالشحاذين والمسجد الأقصى بالمعبد اليهودي، وهي الشتائم التي قالت السلطات السعودية أنها أحالته بسببها على التحقيق، وهو التحقيق الذي لم يسفر عن شيء طالما أن هذا المعتوه اتخذ من شتم الدول والتعريض بشعوبها هوايته المفضلة أمام الصمت الغريب لسلطات بلاده.
والسبب وراء هذا السعار ؟
السبب هو لماذا اختار المغرب أن يدعم قطاع السياحة ولماذا لديه جالية مقيمة بالخارج، وكأن المغرب مطالب بأن يطلب تصريحًا من هذا السعودي قبل أن يقرر أي قطاع سيدعم.
حسب هذا الصحافي فعائدات السياحة لا تساوي شيئًا وقد كان على المغرب أن يطور الصناعات وأن يستغل أراضيه الفلاحية. فالسياح لا يصنعون غير القدوم للتبول علينا. أما الجالية فهي مجرد رجال هاربين من بلدهم ونساء يشتغلن في الدعارة.
يجب أن يكون الإنسان مصابًا بخلل في الشخصية لكي يلخص بلدا بكامله في هذه الأوصاف التي يستحيي المرء من ذكرها. لأنه إذا كانت السياحة هي سبب سعاره فقد كان أجدر به أن يهاجم فرنسا فهي أول بلد سياحي في العالم، أو إسبانيا، أو أمريكا التي تعتبر الأولى عالميًا في عائدات السياحة. لكن الأخ ترك كل هذه الدول واختار المملكة المغربية معتقدا أنها الحائط القصير الذي سيقفز فوقه.
ويبدو أن الصحافي، الذي تبرأت منه حتى قبيلته، يعارض خطة الأمير محمد بنسلمان الذي وضع تطوير السياحة السعودية في قلب رؤية 2030، والتي يطمح من خلالها لجعل المملكة العربية السعودية ضمن ترتيب أكبر خمس دول سياحية في العالم. وما تعديل نظام التأشيرات لدخول المملكة لتسهل دخول خمسين جنسية البلد سوى خطوة في هذا الإتجاه. فكيف يهاجم السياحة في المغرب ويخرس عندما يتعلق الأمر بالسياحة في السعودية ؟ كيف يرضى هذا الصحافي لبلده ما يرفضه لغيره ؟ أم إن السياح الذين سيفدون على بلده لا يتبولون ؟
ثم إن المواطنين السعوديين هم أنفسهم سياح، ويكفي أن يزور الواحد منا جادة الإليزي لكي يراهم، فهم بالنسبة لفرنسا ضيوف مميزون لأنهم يحجزون أجنحة وفنادق كاملة ويشترون كل شيء يلمع في واجهات المحلات. والشيء نفسه في جنيف وفيينا وغيرها من عواصم ليالي الأنس.
وحتى عندنا في المغرب يأتي سياح سعوديون بمئات الآلاف، ومنهم من تزوج في المغرب واستقر به، ومنهم من لديه ضيعاته وممتلكاته وشركاته. طبعًا منهم نوع خاص يأتي بحثًا عن المتعة، ويكفي أن يراجع الصحافي قصاصات الأخبار لكي يعرف كم منهم انتهى في مخافر الأمن واقتيد إلى المطار لترحيله نحو بلده.
أما الصناعة التي يطالب المغرب بالاعتماد عليها فيبدو أنه يتعامى عن كل الوحدات الصناعية التي افتتحها المغرب على طول ترابه، من صناعة السيارات إلى صناعات الطائرات. ناهيك عن الصناعات الغذائية التي بفضلها يشحن المغرب الطائرات والبواخر محملة بأطنان من هذه المواد الغذائية نحو بلدان عربية اكتشفت فجأة أن البترول ومشتقاته لا تصلح للأكل.
وعندما يصف الصحافي السعودي مغاربة المهجر بتلك الأوصاف الساقطة، معتبرا المرأة المغربية المهاجرة مجرد عاهرة تبيع نفسها لكي ترسل المال لعائلتها في البلد، فهذه إهانة لأربعة ملايين ونصف مغربي يشتغلون بعرق جبينهم في قارات العالم الخمس، فيهم العامل والفلاح والعالم والباحث والطبيب والفنان والكاتب والسياسي وغيره.
أمثال هؤلاء العربان، الذين لا يرون في المرأة المغربية سوى كونهن ساحرات وعاهرات وسارقات رجال، لا يعرفون أي شيء عن المرأة المغربية الحقيقية.
يتصورون أن النساء المغربيات هن فقط أولئك الفتيات الفقيرات اللواتي يشترونهن بعقودهم الشبيهة بعقود العبيد ويتاجرون في شرفهن في مواخيرهم، إلى الحد الذي أصبح فيه بعضهم يختزلون معرفتهم بالمرأة المغربية في الجنس والدعارة وسرقة الرجال والسحر، أما سبقها وريادتها في مجالات العلوم والدين والرياضة والسياسة والدبلوماسية والتكنولوجيا فيكادون يجهلون عنه كل شيء.
أمثال هذا الصحافي التافه يجهلون أن أول امرأة أسست جامعة في العالم بأسره اسمها جامعة القرويين هي مغربية من فاس اسمها فاطمة الفهرية الملقبة بأم البنين.
يتجاهلون، في قمة هذيانهم وانتشائهم بعائدات أموال النفط التي غيرت حياتهم من حياة البدو إلى حياة الترف والمجون، أن أول امرأة في العالم العربي والإسلامي فازت بميدالية ذهبية في الألعاب الأولمبية بلوس أنجلوس سنة 1984 كانت مغربية واسمها نوال المتوكل.
ينشغلون بوصول خادمات مغربيات فقيرات وحلاقات معدمات إلى مطارات بلدانهم من أجل الشغل فيحولونهن إلى خادمات ثم يسخرون من مصيرهن، ويتجاهلون وصول أول امرأة في العالمين العربي والإسلامي إلى القطب الجنوبي المتجمد، الباحثة وعالمة الفضاء والفلكية المغربية مريم شديد، التي رفعت راية المغرب خفاقة إلى جانب رايات الدول العظمى في أبرد مكان في العالم.
وإذا كانت المغربية مريم شديد هي أول عالمة فضاء في العالم العربي تصل إلى القطب الجنوبي المتجمد، فإن عالمة مغربية سبقتها، منذ أواسط الستينيات، إلى الوصول إلى وكالة «ناسا»، فكانت بذلك أمينة الصنهاجي أول مغربية وعربية تلتحق بهذه الوكالة وتلج عالم الفضاء.
هؤلاء العربان، الذين كانوا إلى حدود الأمس القريب يمنعون نساءهم من مجرد قيادة السيارات، ينسون أن أول طيارة في العالم العربي والإسلامي كانت شابة مغربية اسمها ثريا الشاوي، حصلت على شهادة الطيران سنة 1951 في زمن كانت فيه النساء الأوربيات والأمريكيات اللواتي يقدن الطائرات معدودات على رؤوس الأصابع.
أما البلدان العربية، التي تختزل نساءنا اليوم في العهر والسحر، فلم يكن أغلب مواطنيها يتوفرون حتى على أحذية يلبسونها في أقدامهم المشققة، فبالأحرى أن تتوفر على طائرات، حتى إن بعضها لم يكن قد ظهر على الخريطة بعد.
وحتى عندما اغتالت عصابة من العسكريين الموتورين الشهيدة ثريا الشاوي في أول سنة من سنوات الاستقلال، فإن رحم المرأة المغربية الولود لم يكف عن إنجاب النساء الشجاعات اللواتي روضن الأجواء العليا على متن أجنحة الطائرات. ولعل هؤلاء العربان، الذين لا يستحضرون المرأة المغربية إلا مقرونة بكبتهم التاريخي، يجهلون أن أول ربانة قادت طائرة في العالم العربي هي المغربية بشرى البرنوصي.
ولم يكن للمغرب شرف السبق في عالم قيادة نسائه للطائرات فقط، بل إن المغرب قدم أول امرأة مظلية في العالم العربي، هي السيدة عائشة المكي التي شاركت في المباراة الدولية للطيران سنة 1956، وهي المسابقة التي حصلت فيها على الجائزة الأولى ورفعت فيها راية المغرب خفاقة. ليقل لنا الصحافي السعودي أين كانت بلاده في هذا التاريخ ؟
وفي الوقت الذي يعتبرون فيه نساءهم عورة يجب سترها وتغطيتها بالكامل وحرمانها من أبسط حقوقها التي أعطاها إياها الإسلام السمح، استطاع المغرب أن يقدم أول امرأة تقود القطار في العالم العربي، وهي السيدة سعيدة عباد الموظفة بقطاع السكة الحديدية منذ 1982، والتي أعطت الدليل على أن المرأة المغربية التي قادت الطائرات بوسعها أن تقود القطارات أيضا.
وفي الوقت الذي كانت فيه كل الدول العربية تعتبر الشأن السياسي والدبلوماسي شأنا رجاليا صرفا، أرسل المغرب إلى سفارته في واشنطن منذ 1959 السيدة حليمة الورزازي لشغل منصب ملحقة ثقافية بالسفارة، لكي تصبح بعد ذلك سنة 1973 أول امرأة في العالم العربي تصبح عضوا خبيرا في لجنة الأمم المتحدة لمناهضة الأبارتايد والميز العنصري.
والواقع أن المرأة المغربية لم تترك أي مجال من المجالات لم تتفوق فيه وتحرز فيه السبق مقارنة بنظيراتها في العالم العربي. وسواء في العلوم الفضائية أو الطب أو القضاء أو العلوم الدينية أو الرياضة أو الفنون أو السياسة والدبلوماسية، فقد كانت المرأة المغربية دائما من الأوليات.
فأول قاضية في العالم العربي هي الأستاذة المغربية سلوى الفاسي الفهري التي تولت كرسي القضاء في المحاكم الإدارية. وأول امرأتين في العالم العربي تقرران الذهاب إلى إسرائيل للقيام بعميلة فدائية هما الشقيقتان المغربيتان نادية وغيثة برادلي قبل أن تكشفهما سلطات الاحتلال وتعتقلهما في تل أبيب.
وأول امرأة تعتلي المنبر وتلقي درسا أمام قائد دولة في كل هذا العالم العربي الممتد من المحيط إلى الخليج هي العالمة رجاء الناجي مكاوي التي ألقت درسا عنوانه «كونية نظام الأسرة في عالم متعدد الخصوصيات» بين يدي الملك محمد السادس خلال رمضان 2003.
ومنذ ذلك الوقت، توالت الخطيبات والعالمات على منابر الدروس الحسنية، حيث يجلس الملك بتواضع فوق الأرض وتعتلي المرأة المنبر، في استعادة راقية لتاريخ إسلامي عريق كانت فيه النساء خطيبات وعالمات وشاعرات وتاجرات، قبل أن تقرر الجهالة العربية أن تحولهن إلى خيام متحركة لا حق لهن سوى في الصمت والخنوع. أي ملك أو زعيم في هذا العالم العربي يقبل أن يجلس لينصت لدرس ديني تلقيه امرأة؟ أعطوني واحدا فقط. إنهم لازالوا يعتبرون مجرد صوت المرأة عورة.
إنهم يجهلون أن أول مدربة لكرة القدم في العالم العربي مغربية اسمها ثريا أزرويل، وأول مدربة لألعاب القوى والسلة في العالم العربي مغربية اسمها زهرة العلوي، وأول مرشحة في العالم العربي لجائزة نوبل مغربية اسمها غيثة الخياط، وأول عازفة على آلة البيانو في العالم العربي مغربية اسمها غيثة العوفير، وأول عربية وإفريقية تصبح منسقة ملف الإذاعات الأوربية مغربية اسمها فاطمة مومن، وأول امرأة تدير مؤسسة سجنية في العالم العربي مغربية اسمها بشرى المسلي، وأول مذيعة في العالم العربي مغربية اسمها لطيفة الفاسي جلست خلف المايكروفون مع بداية الخمسينيات، وأول امرأة تترأس فريقا لكرة القدم في العالم العربي مغربية اسمها سميرة الزاولي، وأول امرأة تقتحم عالم التحكيم الكروي في العالم العربي مغربية اسمها سعاد لكحل، وأول امرأة عربية تنضم إلى الهيئة العالمية لتنمية النيازك مغربية اسمها حسناء الشناوي، وأول امرأة تقتحم عالم رجال المطافئ في العالم العربي مغربية اسمها فاطمة عبوق، وأول امرأة في العالم العربي تشارك في رالي دكار للسيارات مغربية اسمها سعيدة الإبراهيمي، وأول امرأة اقتحمت رياضة ألعاب القوى في العالم العربي مغربية اسمها فاطمة الفقير، وأول امرأة كفيفة تعلم فنون الحرب ربما في العالم بأسره مغربية اسمها ثورية اليعقوبي، وأول امرأة في العالم العربي والإفريقي عضو بلجنة تطوير الفم والأسنان العالمية مغربية اسمها سعاد لمسفر، وأول امرأة تقتحم مجال أمراض وتوليد النساء في العالم العربي مغربية اسمها لطيفة الجامعي درست الطب في الخمسينيات ومارست تخصصها في الستينيات وفتحت عيادتها في بداية السبعينيات.
ولو أردنا أن نعدد كل المجالات التي كانت المرأة المغربية سباقة إلى اقتحامها على مستوى العالم العربي والقارة الإفريقية لاحتجنا إلى مجلدات.
يكفي أن يراجع هؤلاء المتخلفون الذين لازالوا يتناطحون حول جواز اشتغال المرأة في الأسواق التجارية من عدمه، مع أنهم يعرفون أكثر من غيرهم أن الرسول الكريم نفسه كان يشتغل عند تاجرة اسمها خديجة رضي الله عنها، ثم إن أول أم في العالم العربي تنجب عمدة أجنبيا لمدينة أوربية هي ريفية مغربية أنجبت عمدة روتردام أحمد بوطالب.
ثم هل هناك امرأة عربية واحدة شاركت في مسيرة لتحرير جزء من أرضها، وهل هناك أصلا بلد عربي واحد نظم مسيرة كتلك التي نظمها المغرب ومشى فيها 350 ألف مغربي ومغربية جنبا إلى جنب ؟
سؤال لا ننتظر من الصحافي السعودي أن يجيب عنه لأن نظرته للمرأة المغربية محكومة بعقده الجنسية الدفينة، لذلك فمشكلته تحتاج طبيبًا نفسيًا أكثر من شيء آخر.
رشيد نيني