تأخذكم الجريدة الالكترونية LE12.MA، خلال الشهر الفضيل في رحلة عبر الزمان لأكتشاف تاريخ المغاربة مع الأوبئة والقحوط، وكيف واجه الأجداد الوباء والبلاء، وذلك من خلال كتابات كتاب مغاربة أعادوا كتابة جزء من تاريخنا.  والبداية مع الكاتب المتخصص في تاريخ المغرب الموساوي العجلاوي.

 

الموساوي العجلاوي

 

 أزمنة الأوبئة

 

أفرزت الأوبئة في تاريخ المغرب إنتاجا طبيا وأدبيا وفقهيا، تمحور بالخصوص حول الجانبين الاجتماعي والاقتصادي في تدبير الأزمات، إنه سؤال الهزات التي تصيب المجتمع في تماسكه وانسجامه وتدبيره لاقتصاد المعيش اليومي، و في اعتقاداته واختلاف فقهائه حول رأيين، هل الجائحة قدر يجب الاستسلام له، أم هو واقع يجب الهروب منه، وتناظر الفقهاء فيما بينهم استنادا إلى النص القرآني والأحاديث النبوية.

ومهما يكن من موقف الفقهاء وتفاسيرهم لواقع الأوبئة داخل المجتمع المغربي، فإن ذلك كله يبرز دينامية مجتمعية، مستندة إلى خلفية دينية فقهية لتأطير المجتمع في مقاومة الأوبئة، ومن هنا أهمية المناظرات الفقهية في القضايا الصحية والوبائية. بيد أن ظاهرة الوباء التي شملت بالخصوص حواضر المغرب، ارتبطت كذلك بالجانب الديمغرافي، مما للأوبئة من تأثير على عدد السكان. وتحدث الرحالة الأوروبيون في القرون الأخيرة، خاصة الأطباء منهم، عن الأمراض والأوبئة التي عاينوها لدى المغاربة وتأثيرها في النمو الديمغرافي.

 

انتشار اللصوصية

كان للتأثيرات الاقتصادية وقع على معيش المغاربة، فالنصوص تتحدث عن التوقيف المؤقت للأسواق والمبادلات التجارية وانتشار اللصوصية، وتناثرت الأسماء لتوصيف الداء وظواهره.

نجد أيضا في كتب التاريخ والوثائق نصوص حول الأدوية والمراهم المسهلة لعبور الداء أو مقاومته من أشربة ومعجونات وأذهان وأكحال وفسولات وأرواح وأملاح والودك والأسرب والمرتك والمحروق والتنكار وهو نوع من الملح والكبريت والتوتيا والشب والأملاح، واستعملت مصطلحات للتعبير عن مراحل إعداد ” الترياق” كالتقطير والتصعيد والتكليس والعقد والتركيب والحيل والتفكيك وبيان التدبير. ولعب أهل الحرف والعطارون دورا في تركيب هذه ” المراهم”، كما استعمل زيت الزيتون في ذهن الجسم بكامله، إضافة إلى الخلول، والثلج، إن وجد، والماء البارد.

رسالة أحمد المنصور

في رسالة من أحمد المنصور السعدي لابنه أبي فارس، خليفته على مراكش، جوابا على ما كتب به إليه في مسألة الوباء الذي ظهر بسوس ومراكش، هل يفر منه أم لا؟  وينصح أحمد المنصور ابنه أبي فارس بالخروج من المدينة ” أن أول ما تبادرون به قبل كل شيء هو خروجكم إذا لاح لكم شيء من علامات الوباء ولو أقل القليل حتى بشخص واحد….” ويطلب منه عدم إغفال استعمال ” الترياق” ويصف أحمد المنصور كميات الترياق التي تركها في مراكش وطرق استعمالها (أحمد الناصري، الاستقصا، الجزء 5، الخامس، ص 178 و179(.

وعرف المغرب قديما باستعمال وتركيب ” “المعادن” قصد استعمالها في التعدين أو صناعة الأدوية، كما تزخر خزائن المغرب بالمئات من المخطوطات، كالغساني قاسم بن محمد بن إبراهيم في مخطوطه ” ريحانة الحبوب في خواص العقاقير والعشوب” ومحمد الغمري في ” الرسائل الغمرية”، وهي 11 رسالة في علم الكمياء، وابن رحال المعدني الذي عاش في القرن الثامن عشر للميلاد، وعبد السلام الركراكي، في القرن الثامن عشر للميلاد،  ويحتوي مخطوطه ” خلاصة الدرر في آلة الحجر” رسوما للأواني المحتاج إليها في التراكيب الكميائية، ونجد مصطلحات دقيقة لأنواع الكحل المستعمل أيضا كدواء إبان زمن الأوبئة. وفي مخطوط “كتاب الأشربة والمعاجين”، لمجهول، خصصت أبواب لتفسير صناعة الأقراص والمراهم والسفوف والدبيدات واللطوخات.

 

يتبع.

 

 الكاتب في سطور

عجلاوي
عجلاوي

د. الموساوي العجلاوي، أستاذ سابق بمعهد للدراسات الأفريقية جامعة محمد الخامس بالرباط. حاليا باحث في مركز إفريقيا والشرق الأوسط للدراسات (AMES Center) الرباط. مجال البحث التاريخ الراهن والدراسات الجيوسياسية لمجال الساحل والصحراء، متخصص في القضايا الأفريقية، وخبير دولي ومحلل سياسي لدى مؤسسات وطنية ودولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *