بقلم : يونس التايب

في كل مرة يحدث تهجم على مصالح بلادنا من طرف أصدقاء و أشقاء، نقلق و ننفعل ثم يعلو لدينا صوت الحكمة، يقينا بأن قدرنا في هذه الأرض المباركة أن نكون الأكرم ونلتمس العذر “للشقيق الأصغر” و“للصديق”، لأن العفو عن الإساءة هو، أيضا، من شيم الكبار و دليل قوة وأخلاق.

لكننا، نحرص أيضا على أن نوصل الرسالة لمن يعنيهم الأمر، بأننا لا نقبل سوى أن يتم التعاطي مع مؤسساتنا وشعبنا وقضايانا الوطنية، باحترام تام يستحقه المغرب الذي يصنفه التاريخ، و يشهد له واقعه، على أنه من صنف الكبار هوية و رسوخا حضاريا، وإسهاما في صيرورة العالم عبر التاريخ.

وما يجب أن ننتبه إليه جيدا، هي الأجوبة عن تساؤلات تفرض نفسها، وعلى الناس أن يستوعبوا دلالات المعطيات المرتبطة بها على الأرض، خصوصا أولائك الذين “لا يعجبهم العجب” في وطننا. و الأسئلة هي كالتالي:

– لماذا تزعج بلادنا عددا من “الأشقاء” الصغار إلى الحد الذي يبيحون لأنفسهم أمورا لم تكن من أعراف وتقاليد العلاقات بيننا، و لا هي من قيم الاحترام و التعاون والتضامن التي يزرعها المغرب باستمرار ؟

– لماذا كل ذلك الكم من “المحبة” و علامات “الأخوة”، التي يشملنا بها بعض “الأشقاء” الصغار و بعض “الأصدقاء”، واسمحوا لي هنا بشيء من “الطنز العكري”؟

– لماذا يتم، بين الفينة و الأخرى، التعبير (بالدارجة) عن “الحسيفة” والحقد الدفين الساكن في قلوب البعض تجاه بلدنا؟

سبق أن نبهت إلى بعض عناصر الإجابة، و قلت أن ما يعاب علينا، خصوصا خلال العشرين سنة الماضية، يتلخص في مجموعة أمور منها :

– الاختيار الديمقراطي الراسخ الذي أفرز المفهوم الجديد للسلطة، و أرسى العدالة الانتقالية على أساس نموذج مغربي فريد قوامه الإنصاف والمصالحة، والتصالح مع كل روافد الهوية الوطنية ولغاتها، والاستمرار في تطوير الإطار المؤسساتي لجعله أكثر فعالية ونجاعة و قدرة على مواكبة التحديات في كل مرحلة.

– تعاطي بلادنا بحكمة مع أحداث 2010 التي رعتها بعض القوى الدولية لتكون ضربة مميتة للعالم العربي أجمع. الشيء الذي جنبنا الوقوع في فخاخ قاتلة كثيرة سقطت فيها عدة دول و لا زالت تعيش فتنها إلى الآن.

– حرص المملكة المغربية على استقلال قرارها السياسي والديبلوماسي، رغم الضربات القوية التي نتلقاها لذلك السبب من جهات متعددة.

– الدبلوماسية التي رعاها الملك محمد السادس، إفريقيا ودوليا، وترافعه على ضرورة بناء منظومة شراكة استراتيجية بين دول الجنوب على قاعدة “رابح – رابح”.

– اعتماد اختيارات متميزة و استراتيجية كبرى لتطوير الاقتصاد الوطني، مكنت من منح الدولة المغربية هامشا أكبر للحركة والدفاع عن المصالح الاستراتيجية لبلادنا.

– تعزيز جاذبية المغرب لاستثمارات مهمة خاصة في قطاع صناعة السيارات، و معدات الطائرات، و في السياحة، والطاقات المتجددة، مع الحرص على تحديث أنماط إنتاج مختلفة، و السعي لتطوير اقتصادنا بالانفتاح على أقطاب وقوى دولية متعددة.

هذه الأمور، و أخرى غيرها  لا تظهر لنا، كلها عوامل أزعجت عددا من أصحاب المصالح بدون شك. وإذا كان طبيعيا التنافس الاقتصادي و الجيوسياسي بين الدول، إلا أننا ندين ونرفض من يسعون إلى جعل ذلك شبيها بحرب عصابات شرسة لا قيم فيها ولا أخلاق، و يبيحون لأنفسهم الضرب تحت الحزام والتحريض، واستغلال الإعلام الموجه، وتجاوز الأعراف الديبلوماسية، والسماح لأزلامهم بالمس بتوابث الأمة المغربية. و قد رأينا كيف حدثت استفزازات كثيرة من هذا النوع في مراحل متعددة خلال السنوات الماضية.

لذلك علينا كمغاربة أن ندافع عن وطننا، و أن نحصنه و نحمي مكتسباته، و نعزز مؤسسات دولتنا الوطنية، و نفتخر بذاتنا المجتمعية وبأبناء شعبنا، و بهويتنا المتنوعة الروافد، و أن نسعى بوعي وموضوعية، و بعدل مع بعضنا البعض و إنصاف للوطن، إلى قطع الطريق على المتربصين والمتآمرين، علنا وسرا، ضد بلادنا.

بالتأكيد لا مشكل في أن نستمر في النضال بقوة من أجل الأفضل لهذا الوطن، بل من واجبنا فعل ذلك بغية الوصول إلى ديمقراطية أكثر تعبيرا عن طموحات المواطنين، وأكثر إفرازا لنخب سياسية تجمع بين الكفاءة والصدق والحنكة والقرب من هموم الناس والوعي السياسي الوطني المتين، و أكثر تعزيزا لحكامة عمومية تشيع قيم النزاهة و الجدية وتربط الكفاءة بالاستحقاق، والمسؤولية بالمحاسبة.

كما علينا أن نناضل من أجل صحة عمومية و تعليم عمومي يمكن بلادنا من تقديم خدمات عصرية تتيحها المستويات العالية للكفاءات المغربية التي أظهرت جائحة كورونا أنها بحق طاقات موجودة و تستحق كامل التشريف والعناية. ويجب استمرار تتبع السياسات العمومية وعدم التردد في انتقاد كل سياسة غير ناجعة، والتنبيه لكل الأشياء السلبية التي تستحق مقاربات و برامج استعجالية لمواجهة العجز المتراكم، و تحقيق عدالة مجالية توفر شروط بلوغ تنمية أكبر.

لكن، على كل أبناء الوطن أن يقوموا بذلك بوعي عميق بما يحاك ضد بلادنا في السر و العلن، وأن نناضل بكثير من الحكمة و الروح الوطنية، والثقة الراسخة في دولتنا الوطنية. وأن ننتبه إلى أن هذا ”الواقع” الذي لا يعجب البعض عندنا، والذي فيه أكيد أشياء علينا أن نصححها ونطورها، هو نفسه ذلك الواقع الذي يحمل أشياء كثيرة تحاربنا عدة جهات بسببها و بسبب ما حققته بلادنا مكتسبات على أساسها.

إن سبيل صناعة المستقبل الجميل والممكن الذي نستحقه، تمر  في رأيي عبر الوقوف المنضبط في صف وطنية مغربية فاعلة، تكون إطارا لتحديث أداء منظومة تدبير الشأن العام، وتحرير الطاقات، واعتماد الكفاءة و الاستحقاق، و تشجيع شباب المغرب على اقتحام عوالم المعرفة والإبداع والبحث العلمي، والاستمرار في إبداع أنماط جديدة للإدماج الاجتماعي و الاقتصادي و الثقافي، والدفاع عن الرأسمال الوطني المواطن والمسؤول اجتماعيا والمنخرط في ملحمة بناء مغرب الإقلاع الشامل.  تلك هي سبيل المستقبل، ولا أرى سبيلا إليه غيرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *