عبد الرزاق بوتمزار

في الوقت الذي يعجّ كوكب الأرض المجنون بغريب الأحداث وعجيب الشخوص ومفجع النكبات.. في موضوعات تصلح لأن يتهافت عليها اللاهثون ويجعلوا منها “سكوپّات” و”حصريات” و”تريندات” وهلمّ “بوزاتْ”.. سأنأى بنفسي بعيدا عما بات يصنع “سعادة” العالم، الذي صار تُلهيه الفواجع، لكثرتها بدل أن تُقلقه وتثير امتعاضه.

سأبتعد عن الزّمن المغربي “المْعاكس”، عن الزّمن العربي الـ(…) سأنأى عن الزّمن الإفريقي الـ(…) وحتى عن الزّمن الكونيّ الـ(…) سأبتعد.. سأعود إلى كون مريم، الذي كوّنتْه من حروف عشقها الوحيد والأوحد، لا غير: الكتاب.

هذه الطفلة الجميلة التي أفرحني، أيما فرَح، أن أرى صورتها (ولاحقا، أشرطة واستجوابات) تطلع في عناوين المواقع الإخبارية. كم جميلٌ أن يفرحك خبر عن هذا البلد أو منه. لمَ صارت الأفراح فيك نادرة إلى هذا الحدّ يا بلدي؟! نعم، أصبحنا، في زمننا المغربي “الأغبر” هذا (واخّا ما متيقّنشْ من هاد الأغبر) نحتفل -بطرقنا الخاصة وطقوس- بخبر نشمّ فيه رائحة فرَح ونحتفي به أيما احتفاء. لماذا “اغبرّ” زمننا المغربي إلى هذا الحد؟.. لا تسألوني، ماشي شْغلي.. “لكم لبنانكم ولي لبناني”… لقد طالعتُ هذا الصّباح (الثلاثاء 30 أكتو 2018) خبرا مفرحا، بل تاريخيا، فدعوني من شؤون سياساتكم في زمنكم الـ… أغبر.

أفرحتني مريم ذلك الصباح، أفرحتني مريم طيلة الأسبوع. (وليشهد الزّمن المُتكلّس أنْ، منذ خبر مريم المبهج، لم أسمع/ نسمع بخبر فيه ولو رائحةُ ما قد يُفرح).

أفرحتني مريم كما لم يعد يُفرح شيء في زمن “لالّة زينة زادْها نورْ الحْمّام”.. زمن ذبح التعليم العمومي وتقديمه قرباناً لمختبرات “تجريب” (وبعضُ التجريب تخريبْ) كلّ ما بُغرِرَ وبُريَ وغُرّب في شْعيبة.. طفلة مغربية تبصم على مسار متميّز ختمته بتتويج مستحَق، عقب منافَسة من آلاف التلميذات والتلاميذ من مختلف البلدان المسمّاة عربية، راسمةً “صورة” أخرى عن قدرات المغربية (طفلةً، وشابة وامرأةً) التي يمكن أن تتفوّق فيها، مبنى ومعنى، بعيدا عن “الفانتازمات” والاستيهامات المتخلفة التي ترسّختْ عن “مْغربية” في عقليات متكلسة، في رؤوس لا… تقرأ!

أفرحتني مريم أيما فرحة، كيف لا ومعدّلات القراءة في الأوطان المسماة “عربية” تصفعنا بأرقام ونسب مخيفة تُكرّس واقعها المتخلّف، الضارب جذوره في ماض سحيق لا يستطيع منه فكاكا. فالعرب، مهْما اختلفنا في دقّة الإحصاءات المتداوَلة في هذا الشأن وشكّكنا في مصداقية الجهات التي أجرتها، لا يقرؤون إلا بضع دقائق في العام.. هذه حقيقةٌ لا تحتاج إحصاءات ولا مراجع أو خلفيات.

أفرحتني مريم، أيما فرحة، وأنا أقرأ عدد المشاركين في “تحدّي القراءة”، الذي تُوّجت بجائزته الأولى، 300 ألف تلميذة وتلميذ.. رقم يُبشّر بكلّ خير أن تكون للآلاف من صغار هذه الأوطان المنكوبة، والمنخورة بشتى صنوف الفساد والاستبداد، هوايةٌ اسمها القراءة والمطالعة..

أفرحتني مريم لأن تتويجها جاء متزامنا مع تتويج سبعة من تلاميذ مغاربة (من الصويرة) بالمراتب الأولى في “المسابقة الدولية للحساب الذهني”.. فقد حصلت التلميذة ملاك بالعربي على الرتبة الأولى عالميا في المستوى الأول المكتوب الخاص بالحساب الذهني. كما حصل التلميذ آدم الحواص (يتابع دراسته في السلك الإعدادي) على الرتبة الأولى في المستوى الرابع في المسابقة، فيما انتزعت التلميذة كنزة غونيمي (جدع المشترك) المركز الثاني في المستوى الرابع.

لهذه الأسباب والدواعي، الكفيلة بأن تجعلني فرحا عاما كاملا وليس فقط أسبوعا، نأيتُ، إذن، بنفسي بعيدا عما بات يصنع “سعادة” العالم، الـْصار تُلهيه الفواجع، بدل أن تُقلقه وتثير امتعاضه.. عشتُ، طيلة هذه الأيام، منتشيا بصورة تتويج طفلة صغيرة تعشق الكتاب.. هل يمكن للمرء أن يرجو، في زمننا المغربي “الأغبر”، أكثر من رؤية برعم يُشعّ وسط مشتل كامل من الصغار يتفتّحون كالأزهار اليانعة وسط حدائق المعرفة، عاشقين للرّفيق الأوحد والصّديق الأبقى، الكتاب؟!

ملحوظة لها علاقة بما سبق: نرجو أن تمحق دمعة الصّغيرة مريم فرَحاً بتتويجها “ملكةً” على براعم أمة بين يعرب، تلك الدّموع التي ذرفنا دماً ونذرف على “الفْضايحْ” و”الشّوهاتْ” التي مرّغتْ بها بعض “المْغربيات” رؤوسنا وكرامتنا في تراب المهانة والإذلال حتى اقترنت نظرة بعض “العرْب” إلى “مْغربية” بالنصف الأسفل!..

شكراً مريم لأنكِ… ألْ مْغربية!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *